فأجيبوها بنعت الطاعة على لسان حبيبه صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنه مرشد الحق بهدي إلى الحق ، ثم أتبع الإجابة بالإيمان والتصديق فيما أخبر عن الحق سبحانه بقوله : (وَآمِنُوا بِهِ) أي : بكلامه وخطابه ورسوله (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، هذا شرط بعد الإيمان والإجابة والمتابعة أي : يغفر لكم جهالتكم الأولية ، (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ) الحجاب.
قال سهل : لا يجيب الداعي إلا من أسمع اقتداء ووفّق للجواب ولقن ، وإلا فمن يجسر على إجابة هذه الدعوة.
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) : أدّب حبيبه صلىاللهعليهوسلم بآداب أكابر الأنبياء الذين هم أهل عزائم بذلك الموجود لله وفي الله ، بعد أن عاينوه ، وعرفوه ، وأحبوه ، وصبروا له وفيه أي : أنت في بحر بلائي أمتحنك بعظائم الامتحان التي لا يثبت بإزائها الصخور الصم ، وأعظم البلاء كشف جمال قدسي لك ، الذي يفنى فيه من العرش إلى الثرى ، (فَاصْبِرْ) به في مشاهدتي ، ولا تفش سري بيني وبينك عند الخلق ، فإن بدت منه ذرة لخلقي تضمحل الأكوان والحدثان وحقيقة الإشارة أي : أنت عزمت بسرك وروحك أن تسري من عالم الحدثية إلى ميادين الوحدانية ، وتطير بأجنحة المعرفة في هواء القدم والبقاء الذي لا نهاية له ؛ إذ الدهر الدهار أقل من لمحة في زمانها فيه ، فاصبر فيما عزمت ؛ فإنك تفنى في كل لمحة منك في سطوات ألوهيته كما صبر أولو العزم في أسفار الديمومية ، وإدراك حقائق الأزلية والأبدية ، صبروا في تقلبهم في لطمات بحار القدمية حين استغرقوا في مقام سر الكبرياء ، وما وجدوا نهايتها ، فكادوا يفرون ، ويخرجون منها ، فأغرقتهم أمواجها ، فاستغاثوا منه إليه ، فألبسهم قوى الربانية ، فسبّحوا فيها بالحق ، وذهبت بهم بحار الربوبية إلى معادن الأولية ، فلما بلغوا أقصى غايات همهم وظنوا أنهم وصلوا ورأوا أنفسهم أنهم في أوائل أسفار الغيب كادوا أن يفنوا ، فصبروا بالله في الله ، وآيسوا من الوصول إلى كنه القدم ، ولم ينقطعوا من أسفارهم ، وأيضا فاصبر ؛ فإنك في تلك الأسفار ، ولا يصح حين لم تجد هنالك نفار الخروج منها ، فإن من عرفني غرق في بحر كبريائي وعظمتي أبد الآبدين ، ألا ترى كيف قال : (وَلا تَسْتَعْجِلْ) أي : ولا تستعجل ؛ فإن أموري لا تدرك بحلاوة العقول ، ولا يدركني غوص الفهوم ، ولا لباب القلوب ، ولا الدهر الدّهار ، ولا تقلب الأفكار ، فإن جميع الأزمنة والدهور مقصرة عند أوليتي وآخريتي ، ألا ترى كيف وصف الهالكين في بحار قهره بقوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما