منع تدبرهم.
(أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) أي : بل على قلوبهم غطاء الغفلة ، من حيث غطّاها الحق سبحانه بغطاء قهره ومنعها عن مشاهدة صفته ، وأصم أسماع أسرارهم ؛ لئلا تصغي إلى سقوط الإلهام ، أو تفهم لطائف الكلام ، فالتدبر في القرآن لغواص بحار الفهوم حين غاصت أسرارهم وفهومهم وأولياؤهم في بحر عجائب خطاب الحق ، فتستخرج غرائب علومها وأسرارها ، فتعبر عنها ألسنتهم الصادقة عند مجامع هموم المريدين وأولي الشهود بنعت إلقاء السمع من المراقبين.
قال ابن عطاء : قلوب أقفلت عن التدبر ، وألسن منعت عن التلاوة ، وأسماع صمت عن الاستماع ، ومن القلوب قلوب كشف عنها الغطاء ، ولا يكون له راحة إلا في تلاوة القرآن واستماعه والتدبر فيه ، فشتّان ما بين الحالتين.
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦))
قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) : وصف الله نفسه بالقدرة القائمة والمشيئة الأزلية بأنه لو أراد أن يكشف عن سرائر الخلق وخفايا قلوبهم لحبيبه صلوات الله عليه لكان قادرا ، وذلك بعد أن ألبس قلبه أنوار غيبه وغيب غيبه ؛ فإنه كان مستعدّا بأن ينظر إلى بواطن الغيوب وضمائر القلوب ، ولكن ما كان أوائل حاله عرفان بعد ترقي أحواله إلى مصاعد الغيب ورؤية أنوار الصفات ، لكن أثبت في أحوالهم بالوسائط في هذا الموضع بقوله : (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، فإذا كمل في مشاهدة الحق أخبر عن وقوف سرّه على ممكنات الغيوب بقوله : «فعلمت ما كان وما سيكون» (١) ، فنبّهنا الله سبحانه أن أوائل
__________________
(١) ذكره القنوجي في أبجد العلوم (١ / ١٣٨).