صلىاللهعليهوسلم في ذلك خاصية لم يكن لأحد فيها نصيب ، وذلك أنهم يسلكون من مقام مشاهدة نور الفعل إلى مشاهدة نور الصفة ، ثم إلى مشاهدة نور الذات ، وهو عليهالسلام في أول حاله شاهد العين ، ثم شاهد الصفة ، ثم شاهد الفعل رحمة للعالمين ، ولو بقي في مقام الأول لما استمتع به الخلق في متابعته.
ألا ترى إلى قوله سبحانه لحبيبه عليهالسلام : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) أشهده ذاته ، وأبرز له صفاته ، ثم أحاله إلى رؤية الفعل بقوله : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) لئلا يفنى في سطوات عظمة ذاته وصفاته ، فلما ضاق مكانه في رؤية الفعل ، وطالب الأصل ، وشقّ عليه الاحتجاب به عنه كاشف الحق عنه ضرار الفعل ، وأبرز له مشاهدة ذاته بقوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي : خفيّا سريعا ، ولولا فضله ورحمته في قبضه خفيّا يسيرا لاحترق الكل في أول بداية طلوع الجمال والجلال على قلوبهم ، وهو تعالى خاطب الجمهور برؤية فيه ، وخاطب حبيبه برؤية ذاته وصفاته ، وهنا كما قال الواسطي : أثبت للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق ، وأثبت للخاصة الخالق ، فأثبتوا به المخلوق ، ومخاطبة العام (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) [النور : ٤٣] ، و (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) [الغاشية : ١٧] ، ومخاطبة الخاص (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ.)
قال بعضهم : قال لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) العصمة قبل أن أرسلك إلى المخلوق ، ولو شاء لجعله ساكنا أي : جعله مهملا ، ولم يفعل ، بل جعل الشمس التي طلعت من صدرك دليلا ، (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) ، هذا خطاب من أسقط منه الرسوم والوسائط.
قال ابن عطاء : كيف حجب الخلق عنه ، ومدّ عليهم ستور الغفلة وحجبها.
وقال في قوله : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) : شموس المعرفة هي دلائل القلب إلى الله ، وعن جعفر قال : حجب الخلق عنه.
وقال بعضهم : الظل حجاب بينك وبين الله ، (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) ، وهو نور الهداية بالإشارة (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) وهو جذب القدرة التي يجذبك من الأشياء إليه.
وقال الأستاذ : ظل العناية على أحوال أوليائه ، فقوم هم في ظل الحماية ، وآخرون في ظل الرعاية ، وآخرون في ظل العناية فالفقراء في ظل الكفاية والأغنياء الراحة والحماية ، ويقال : أحيا قلبه بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) ، ثم أفناه بقوله : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) فكذا سنته