يصير نيرانها وردا ريحانا من تأثير بركة ظهوره لها :
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى |
|
إليكم تلقي طيبكم فيطيب |
وما ذاك إلا حين خبرت أنها |
|
تمر بواد أنت منه قريب |
تصديق ما ذكرنا قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «حتّى وضع الجبّار قدمه على النار فتقول قط قط» (١). (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢))
قوله تعالى : (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) أي : فاز منه إليه حافظ أنفاسه حتى لا يتيقن إلا الله وفي الله.
قال سهل : هو الراجع قلبه من الوسوسة إلى السكون إلى الله ، والحفيظ المحافظ على الطاعات والأوامر.
قال المحاسبي : الأوّاب الراجع بقلبه إلى ربه ، والحافظ قلبه في رجوعه إليه أن يرجع منه إلى أحد سواه.
(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦))
قوله تعالى : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) : هذا وصف من وعده الله جنان مشاهدته ووصاله وقربه ووصفه بالخشية والإنابة ، والخشية هي العلم بإحاطته بعلمه القديم بكل شيء ، ورؤية جلاله الذي ورث في قلبه الخشية والإجلال ، فإذا رآه بهذه الصفات العظام رجع من وجوده إلى وجود الحق.
قال الواسطي : الخشية أرقّ من الخوف ؛ لأن المخاوف العامة لا تعاين إلا عقوبة ، والخشية هي نيران الله في الطبع فيها نظافة الباطن للعلماء ، ومن رزق الخشية لم يعدم الإنابة ، ومن رزق الإنابة لم يعدم التفويض والتسليم ، ومن رزق التفويض والتسليم لم يعدم الصبر على المكارة ، ومن رزق الصبر على المكاره لم يعدم الرضا.
وقال بعضهم : أوائل العلم الخشية ، ثم الإجلال ، ثم التعظيم ، ثم الهيبة ، ثم الفناء ، ثم وصف الله ما لهم في قربه وجواره من المشاهدة والوصال بقوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) أي : لهم ما يشاءون مما وصل إلى قلوبهم من الأماني والعلم بوجودي ، ولدينا مزيد مما
__________________
(١) رواه الخطيب البغدادي في التاريخ (٥ / ١٢٧).