لا يطلعون ولا يعرفون مني إلى الأبد ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (١).
قال عبد العزيز المكي : لهم في الجنة ما يحقق أمانيهم من النعيم ، ثم نزيدهم من عندنا ما لا تبلغه الأماني ، وهو الرؤية ، وذلك أجلّ وأعلا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤))
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) : أثبت الله سبحانه رؤية أنوار حكمته الأزلية وسناء الكبرياء والعظمة وظهور قهر الجبارية لمن له قلب ، وله إلقاء السمع ، وله شهود السرّ ، والقلب عبارة عن نقطة دائرة الفطرة القدسية التي خلقها الله من نور فعله الخاص ، وهو يتجلى لها من نور صفته ونور ذاته ، وهناك لطيفة كبرى ، وهي سر النقطة ، حولها دائرة العقل ، وراء الدائرة حواشي فعله ، ألقي تحتها ستر الصفات ، ثم تحت ذلك الستر ظهور الذات لها ، فهو بذاته وصفاته حافظ فعله الخاص ، أليس ستر الفعل العام على غاشيتها ، وحولها عالم الملك والشهادة ، وباطنها كشف الصمدية وجلال الأزلية ، وبينها وبين الحق لم يبق حجاب امتناع قدمه عن إحاطتها ، وذلك الكشف والعيان من بدو وجودها إلى أبد الأبد لا ينقطع ؛ لذلك قال الشبلي : وقتي مسرمد ، وتجري بلا شاطئ ، سقط عنها أضداد التجلي ؛ إذ لم يبق بين الحق وبينها جريان الحوادث ، ولتلك اللطيفة عيون وأسماع ؛ إذ كل وجودها سمع وبصر ، فجميع سمعها وبصرها مشغول بخطاب الله ورؤيته ، فألقت سمعها لأصوات وصلة الأزلية ، شهدت أبصارها بمشاهدة القديم ، ثم نورث الهيكل بالحضور والخدمة ، وطلب مزيد الصفاء والقرابة ، وجعلتها مركب سيرانها وطيرانها إلى عالم الملكوت ، ورأت من روزنة البصر ما رأت بلا واسطة ، وسمعت بسمع الظاهر ما سمعت بلا وسيلة ، فإذا رأى صاحب هذا القلب شيئا من عجائب صنعه صار خاضعا لعظمته ، خاشعا
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١١٨٥) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤).