ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))
قوله تعالى : (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) : هذا شكر من القوم في رؤية الحق سبحانه أي : كنا مشفقين من الفراق في الدنيا والبعد في يوم التلاق ، (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا) من ذلك العذاب المحرق ، المعنى هذا في أوائل الرؤية ، أما إذا استقاموا في الوصال نسوا ما كان فيهم من ذكر الإشفاق وغيره ، والإشفاق وصف الأرواح والخوف صفة القلوب.
قال الجنيد : الإشفاق أرقّ من الخوف ، والخوف أصلب.
وقال بعضهم : الإشفاق للأولياء ، والخوف لعامة المؤمنين.
وقال الواسطي : لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ، ولم يعلموا أن الوسائل قطعت المتوسلين عن حقيقته ، وحجبت من إدراك من لا وسيلة إليه إلا به.
قال ابن طاهر : منّ علينا بإحسانه إلينا بأن جعلنا من أهل دار كرامته ، ووقانا من دار إهانته.
قوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) : بيّن الله سبحانه في هذه الآية مرتبتين :
مرتبة التفرقة ، ومرتبة الجمع ، الخطاب الأول خطاب الغيبة ، والخطاب الثاني خطاب المشاهدة ، فإذا قال : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وقع الصبر ؛ لجريان الحكم في أمر العبودية ، وذكر قوله : (رَبِّكَ) بالغيبة ؛ لأنه في مقام تفرقة العبودية والرسالة يقتضي حاله حال المشقة ؛ لذلك أمره بالصبر ، فإذا ثقل عليه أحاله من الغيبة إلى المشاهدة بقوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي : بحفظك من الاعوجاج والتغير في جريان أحكامنا عليك حتى تصير مستقيما بنا لنا فينا ، انظر إلى ما قال سبحانه لحبيبه صلىاللهعليهوسلم في قوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي : نحن نراك بجميع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ، ننظر بها إليك ؛ شوقا إليك ، وحراسة لك نحرسك بها ؛ حتى لا يغيرك غيرها من الحدثان عنا ، ويدفع بها عنك طوارقات قهري ؛ فإنك في مواضع عيون محبتنا ، وأنت في أكناف لطفنا ، افهم يا صاحبي كيف قال الحق ، ذكر الأعين وليس في الوجوه أشرف من العيون ، انظر كيف شّرفه ؛ إذ قال : أنت بعيننا أي : أنت على أعيننا محروسا عن قهرنا ، ورمز الرمز في قوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) ؛ فإن الحبيب عليه الصلاة والسلام في مقام المشاهدة ، وكاد يفنى في عظمته وجلاله ، فحجبه بحكمه لحظة والصبر فيه حتى لا يفنى ، والنبي صلىاللهعليهوسلم كان يريد أن يرى الحق عيان في عيان ولا طاقة له ، فألبس الله بعد ذلك عينه نورا من