أعينه ، فرأى الحق بجميع العيون ، فامتنّ الله عليه ، وتعرف إليه مواضع نعمه بقوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي : بأعيننا ترانا.
قال سهل : ما نظهره عليك من فعل وقدرة تتولى جملتك بالرعاية والكلاءة بالرضا والمحبة والحراسة من الأعداء.
وقال ابن عطاء : فإنك بأعيننا أي : مغمور في حفظنا ، وغريق في فضلنا ، ومستور بحفظنا ، ومن اختصّ بالله كان في حفظه ، ومن كان في حفظه كان في مشاهدته ، ومن كان في مشاهدته استقام معه ووصل إليه ، ومن وصل إليه انقطع عما سواه ، ومن انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين.
وقال الحسين : اصبر ؛ فإن صبرك بتوفيقنا وبشهود عيوننا ؛ فلذلك حصلت العيون منك عيونا ؛ إذ أنت الناظر إلينا بنا ، ولم تنظر إلينا بما لنا وعنا ، فتكون بذلك محجوبا عن واجبنا.
وقال جعفر : عند هذا الخطاب سهّل عليه معالجة الصبر واحتمال مؤنه ، وكذلك كل حال يرد على العبد في حال المشاهدة.
قال الحسين في قوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) : وقال للكليم : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، ليس من هو بالعين كمن هو على العين ، وليس من أفنى بالشيء كمن فني عن الشيء ؛ لأن الفناء بالشيء لمعنى الجمع ، والفناء عن الشيء لمعنى الاحتجاب.
وقال النوري : الصنع بالعين ليس كالصنع على العين ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم كان بالعين في كل وقت وحال ومكان ، ولما صبر في جريان أحكام الربوبية واستقام في مقام الجمع بالحق في الحق ، وبقي بالحق للحق في الحق ، ولم يحتجب بالحق عن الحق أمره بتسبيحه وتقديسه وتحميده في جميع أنفاسه ، بأنه نال هذا الفضل بالله لا بنفسه ، وأنه لم يدركه حقائق الإدراك ، فإنه منزّه عن إحاطة الحدثان به أي : نزهني حين تقوم إلى موازاة مشاهدة قدمي ، (وَمِنَ اللَّيْلِ) حين أطبق عليك تراكم ظلال العظمة والكبرياء نزّهه عما تجد من النسك به ؛ فإن الأنس أيضا حجاب ؛ إذ هو لذة الروح ، وسبّحه عند رؤيتك الأكوان والحدثان وهي ساجدات له ، فاسجد أنت لرؤيتي ، ولا تنظر إلى تسبيحك وسجودك ، ولا إلى تسبيح الكون ، فإن النظر إلى التنزيه احتجاب من رؤية المنزّه ، وعن إدراك قدسه بالحقيقة بقوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ.)
قال سهل : صل المكتوبة بالإخلاص لربك حين تقوم إليها.