مشاهدا ذاته ، وفي الأخبار أن محمدا صلىاللهعليهوسلم شهده.
وقال جعفر : أدناه منه حتى كان منه كقاب قوسين ، والدنو من الله لا حدّ له ، والدنو من العبد بالحدود.
(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠))
قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) : أبهم الله تعالى سرّ ذلك الوحي الخفي على جميع فهوم الخلائق من العرش إلى الثرى ، بقوله : (ما أَوْحى) ؛ لأنه لم يبين أي شيء أوحى إلى حبيبه صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن بين المحب والمحبوب سرّا لا يطّلع عليه غيرهما ، وأظن أن لو بيّن كلمة من تلك الأسرار لجميع الأولين والآخرين لماتوا جميعا من ثقل ذلك الوارد الذي ورد من الحق على قلب عبده ، احتمل ذلك المصطفى صلىاللهعليهوسلم بقوة ربّانية ملكوتية لاهوتية ، ألبسها الله إياه ، ولولا ذلك لم يحتمل ذرة منها ؛ لأنها أنباء عجيبة وأسرار أزلية ، لو ظهرت كلمة منها لتعطلت الأحكام ، ولفنيت الأرواح والأجسام ، واندرست الرسوم ، واضمحلت العقول والفهوم والعلوم ، هكذا رسم العلوم المجهولة التي تنبئ عن عين العشق بين العاشق والمعشوق ، وذلك في سره وغيب في غيب يسقط عند ذلك حكم العبودية ؛ لأن ذلك محض الانبساط وظهور كشف الكلى وغلبات سيول الرحمة الأزلية الواسعة التي تجري من بحار القدس وأنهار الأنس وبما نشق الله من نفحات نرجسها ووردها مشام المستنشقين نسائم الوصال وشمائل الجمال ، فيطيرون من الفرح لوجدانها ، ويضحكون ، ويبكون ، ويرقصون ، ويصيحون من لذة ما وصل إليهم من عرفانها ، ويسترون تلك الأسرار عن الأغيار ، كما أنشد :
لعمري ما استودعت سرّي وسرّه |
|
سوانا حذار أن تشيع السرائر |
ولاحظته مقلتاي بلحظه |
|
فتشهد نجوانا العيون النواظر |
ولكن جعلت الوهم بيني وبينه |
|
رسولا نادى ما تغيب الضمائر |
قال جعفر في قوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) : بلا واسطة فيما بينه وبينه سرّ إلى قلبه لا يعلم به أحد سواه بلا واسطة إلا في العقبى حين يعطيه الشفاعة لأمته.
قال الواسطي : ألقى إلى عبده ما ألقى ، ولم يظهر ما الذي أوحى ؛ لأنه خصّه به وما كان مخصوصا به كان مستورا ، وما بعثه به إلى الخلق كان ظاهرا.
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥))
قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) : ذكر الله رؤية فؤاده عليه الصلاة والسلام