والحدثان بأسرها ليست بذخيرة غير منقطعة ؛ فإنها ليست بقائمة بنفسها إنما قيامها بالله ، وهو تعالى بذاته وصفاته مستند العارفين إذ عزته وجلاله قديم باق لا يزول فإذا التوكل عليه حقيقة لمن عرفه بهذه الصفة ؛ فقطع سر حبيبه عن الخلق جميعا في أمر العبودية والربوبية والبلاء والعافية ، والعيش في الدنيا والآخرة.
ثم أمره بتنزيهه وتقديسه حمدا لكفايته ورعايته بقوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أولا ينقطع وجود أبد الآبدين ، وبيّن أن أكثر خلقه محجوبون عن هذه الحقيقة ، والمحجوبون عنها وقعوا في الأسباب ، وهو في حقيقة التوكل ذنب الطريقة فخوفهم بها ، وقال الله تعالى : (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً.)
قال بعضهم : التوكل استيلاء الوجد على الإشارة ، وجذب التشرف إلى الإرفاق حتى يبتدئ.
قال الواسطي : من توكل على الله لعلة غير الله ، فلم يتوكل على الله ، ولما أمر سبحانه حبيبه بالتوكل على نعت الحقيقة ، وأخبر فيه عن صفته الخاصة في نفسه من الحياة الأزلية الأبدية ، وعن ذاته السرمدي زاد الخبر في إعلامنا قدرته وبقاءه واشتمال قوته على جميع الحوادث وإنشائها بقوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) بيّن أن الكون قائم به ، وذكر رحمانيته من حيث إنه رحم الخلق بإيجادهم ثم أمر حبيبه أن يسأل في حقيقة هذا الأمر عن جلال عزته ، وبقاء ديموميته والمعرفة بذاته ، وصفاته عن خبراء عرفانه ، وبصراء العلم بجبروته وملكوته بقوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) وهم الذين عرف الله نفسه لأرواحهم في الأول بالأولية والآخرية والقدرة والمشيئة وكمال الرحمة ، وهم باقون في الأشباح بنعت الأرواح في عبوديته وعرفان ربوبيته وفي كل لمحة يزيد معرفته بجلاله وقدره.
وقال الحسين : هم الذين أقامهم الله في البلاد أذلة للعباد منهم من يدل على سبيل الحق ، ومنهم من يدل على آداب سبيل الحق ، ومنهم من يدل على شرائع الإيمان ، ومنهم من يدل على الحق ، فهو الدليل على الحق ؛ لأن الكل محتاجون إليه وهو مستغن عنهم ، يرجعون إليه في السؤال ، ولا يسأل هو أحدا كالخضر ونظرائه ؛ لأنهم أوتوا العلم اللدني.
(تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا