آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ، وذلك بروز أنوار الصفات في الآيات ، وتلك الآيات لو رآها أحد سواه لاستغرق في رؤيتها ، وكان من كمال استغراقه في بحر الذات والصفات لم تكبر عليه رؤية الآيات والأفعال.
قال سهل : رأى من آيات ربه الكبرى ، فلم يذهب بذلك عن مشهوده ، لم يفارق مجاورة معبوده.
وقال ابن عطاء : رأى الآيات فلم تكبر في عينه ؛ لكبر همته ، وعلو محله ، ولاتصاله بالكبير المتعال.
قال جعفر : مشاهد من علامات المحبة ما كبر عن الاختيار عنها (١).
(إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣))
قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) : يا عاقل احذر مما يغوي أهل العزة بالله من أشكال المخاييل التي تبدو في غواشي أدمغتهم ، وهم يحسبون أنها مكاشفات الغيوب ونوادر القلوب ، ويدّعون أنها عالم الملكوت وأنوار الجبروت ، وما يتبعون إلا هوسات أنفسهم ومخاييل شياطينهم التي تصور عندهم أشكالا وتمثالا ، ويزينونها لهم أنها الحق ، والحق منزّه عن الأشكال والتمثال ، إياك يا صاحبي وصحبة السالوسيين الجاهلين بالحق ، الذين يدّعون في زماننا بمشاهدة الله مشاهدة حق لأولياء ، وليس بمكشوفه للأعداء.
قال الجنيد : رأيت سبعين عارفا قد هلكوا بالتوهم أي : توهموا أنهم عرفوه ، وهو قوله :
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ.)
وقال الشبلي : من تحقق في حقيقة الحق فهو نفس الحقيقة ؛ لأن الله يقول : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) : افهم يا صاحبي أن إشارة حقيقة هذه الآية تؤول إلى الكل ؛ إذ الكل معزولون عن إدراك حقيقة الحق ، وما أدركوا فهو أقدارهم ، وجلّ قدر الحق عن أقدارهم وإدراكهم.
قال الله سبحانه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ؛ ولذلك اجترأ الواسطي في حق
__________________
(١) قال سيدي عبد الله التستري : يعني ما يبدي من صفاته من آياته رآها ، ولم يذهب بذلك عن مشهوده ، ولم يفارق مجاورة معبوده ، وما زاده إلا محبة وشوقا وقوة ، أعطاه الله قوة احتمال التجلي والأنوار العظيمة ، وكان ذلك تفضيلا له على غيره من الأنبياء ؛ ألا ترى أن موسى صعق عند التجلي ، ففي الضعف جابه النبي صلىاللهعليهوسلم في مشاهدته كفاحا ببصر قلبه ، فثبت لقوة حاله وعلو مقامه ودرجته. تفسير التستري (٢ / ٨٦).