سلطان العارفين أبي يزيد البسطامي ـ قدّس الله روحه ـ بقوله : كلهم ماتوا على التوهم حتى أبي يزيد مات على التوهم.
(أم للإنسن ما تمنى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨))
قوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) أي : هل للمدعي ما يتمنى وهو غير عارف بنا ، وهذا زيادة في بيان جهل المتبعين ظنونهم وتمنيهم ، التمني : وصف من لا يصل إليه فمن وصل إليه لم يبق له التمني ؛ فإنه تعالى فوق التمني ، وفي حقيقة التوحيد أن قول الخليل والكليم والحبيب عليهم الصلاة والسلام : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ، و (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، وأرنا الأشياء كما هي وقعت على صورة التمني ؛ فإنهم ما شربوا من بحر الوحدانية إلا على قدر مذاق العبودية ، وكيف بلغوا إلى مناهم وأمانيهم إدراك الحقيقة بالحقيقة ، وساحة الكبرياء منزّهة عن درك الداركين ولحوق اللاحقين ووصول الواصلين؟!
قال الحسين : الاختيار طلب الرؤية ، والتمني الخروج من العبودية ، وسبب عقوبة الله عباده ظفرهم بمنيتهم.
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦))
قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) أي : فأعرض عن الجاهلين بنا ، والمعرضين عنا والمشغولين بغيرنا ؛ فإن علومهم الظنون الكاذبة والأوهام الزائغة.
قال بعضهم : ضيّع وقته من اشتغل بموعظة طالب الدنيا والراغبين فيها ؛ لأن أحدا لا يقبل على الدنيا إلا بعد الإعراض عن الله ، قال الله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا.)