(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨))
قوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (١) : وفّى بما امتحنه بكلماته التي قال الله سبحانه : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ، وأول الكلمات الخروج مما سوى الله ، ثم الخروج من نفسه لله ، ثم الصبر في امتحان الله بالله ، ثم إن شاهد الله بمراد الله حين أفرده عن لباس الآيات بقوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) ، بعد أن قال : (هذا رَبِّي) ، وهناك أعظم الامتحان ، ثم إنه ما وقف فيما وجد من الحق ، ثم زاد طلبه في سيره في الحق.
قال الواسطي : خرج من نفسه فيما تحمل من محنة مشاهد المحن كلها نعمة في جنبه ومشاهدته.
قال ابن عطاء : وفّى أربعة أشياء : يبذل نفسه للنيران ، وقلبه للرحمن ، وولده للقربان ، وماله للإخوان.
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧))
قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أي : ليست الصورة الإنسانية إلا ما سعت من الأعمال الزكية عن الرياء والسمعة يؤول ثوابها إليها من درجات الجنان.
أما ما يتعلق بفضل الله وجوده من مشاهدته وقربته فهو الروح الروحاني الذي في تلك الصورة ، وأنها إذا استوفت بمقام درجات الجنان التي جزاء أعمالها تمتعت أيضا بما يجد روحه من فضل الله من كشف مشاهدته ودوام وصاله ، وأيضا أي : ليس للإنسان إلا ما يليق بالإنسان من الأعمال.
وأما الفضل والمشاهدة والقربة لله يؤتيه من يشاء ، فإذا وصل إلى مشاهدة الله وتمتع بها
__________________
(١) إشارة إلى أن في جبلة الإنسان معرفة لله مركوزة وذلك لأن الله تعالى ذرأ ذريات بنى آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم بخطاب (ألست بربكم) فأسمعهم خطابه وعرفهم ربوبيته وفقههم لإجابته حتى قالوا بلى فصار ذلك الإقرار بذر ثمرة إقرارهم بخالقية الله تعالى في هذا العالم لكن الله تعالى لعزته لا يهتدي إلى سرادقات عزته إلا من أعزه الله تعالى بجذبات عنايته وهو العليم الذي يعلم حيث يجعل رسالاته. تفسير حقي (١٣ / ١٤٥).