رسول الرحمن.
قال الجنيد : خصّ آدم بأن خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته هو تخصيص الخلافة.
وقال سهل في قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤) أي : الكلام الذي هو ذهن الخلق ، ونفس الروح ، وفهم العقل ، وفطنة القلب ، وعلم نفس الطبع.
وقال الجنيد : خلق الإنسان جاهلا به ، فعلّمه السبيل إليه (١).
(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩))
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٧) : رفع سماء المعرفة والتوحيد بحيث لا يلحقها إلا أهل الاصطفائية بالولاية في الأزل ، ولا ينالها كل مدّع كذّاب ، ووضع ميزان الصدق والإخلاص ؛ ليزن به العبودية في بساط الربوبية.
قال سبحانه : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) : أقيموا العبودية بميزان العبودية ، ولا تزنوا بميزان الربوبية ؛ فإن الحادث لا يلحق إلى القديم ، فإذا لا تخرجوا من رقّ العبودية إلى دعوى الأنانية ، وزنوا أنفاسكم ، وخواطركم ، ومقاماتكم ، وأحوالكم بموازين الشريعة والإخلاص في الطريقة.
قال ابن عطاء : أظهر الوحدانية بصدق الظاهر ، وصفاء الباطن ، وحقيقة السر ، واستقامة العزيمة.
وقال : كن لي صرفا أكن لك حقّا.
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦))
قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ) : مهّد قلوب أوليائه ، وأحبائه ، وعرفانه ؛ ليصل منها بركته وآثار جماله إلى جميع الخلائق ، وهي بساتين أنسه ، ورياض قدسه ، وفواكه معرفته ، وأشجار محبته ، وأزهار حكمته التي هي قوت أرواح
__________________
(١) وقال ابن عجيبة في البحر المديد (٦ / ٢٠٣) : أي : بيان السير إلى معرفته ، بأن ركّب فيه العقل المميز ، ونصب له مظاهر يتعرّف بها ، وبعث له دالّا يدله ، ويعلمه أسرار الربوبية وآداب العبودية ، فلا يزال يحاذيه ، ويسير به حتى يستنير قمر توحيده ، وتشرق شمس عرفانه.