المريدين ، وأسرار المتعبدين ، سقاها الله من بحار جماله ، وأنهار جلاله ، وحرسها بعيون كلاءته ، وأعوان عنايته.
قال جعفر : جعل الخلق قلوب أوليائه رياض أنسه ؛ فغرس فيها أشجار المعرفة ، فأصولها ثابتة في أسرارهم ، وفروعها قائمة بالحضرة في المشهد ، فهم يجنون منها ثمار الأنس في كل أوان ، وهو قوله : (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي : ذات الألوان ، كلّ يجتبي منها لونا على قدر سعيه ، وما كوشف له من بوادر المعرفة ، وآثار الولاية.
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧))
قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) : مشرقه أزله ، ومغربه أبده ، ومشرقه ذاته ، ومغربه صفاته ، وأيضا مشرقه فعله ، ومغربه أمره ، وأيضا المشرقان السر والروح ، والمغربان القلب والعقل ، تطلع منها شموس الذات ، وأقمار الصفات إلى عالم العقول والقلوب ، فإذا ذهب أوان التجلي استترت تلك الشموس والأقمار من العقول والقلوب ، فصارت القلوب والعقول مغاربها ، والأسرار والأرواح مشارقها ، وأيضا المشرقان هما الذات والصفات ، والمغربان الأمر والأفعال ، وأيضا المشرقان النعوت والأسامي ، والمغربان الذات والصفات ، له سبحانه في كل ذرة آثار هذه المشارق والمغارب.
قال سهل : مشرق القلب ومغربه ، ومشرق اللسان ومغربه.
وقال بعضهم : مشرقه توحيده ، ومغربه مشاهدته.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١))
قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) (١) : إشارة الحقيقة بالبحرين : بحر مشاهدة تجلّي القدم ، وبحر الروح يكشف له بحر جماله وجلاله ، ويقرب منه بحيث لا تدري الروح
__________________
(١) هما بحر الوجوب ، وبحر الإمكان ، والبحر في الحقيقة ؛ هو بحر الوجوب لا تساعه ، لا بحر الإمكان ؛ لضيقة إلا أنه لمّا جمع معه في محل واحد عبّر عنه بالبحر ، نعم إن الوجوب ، وإن كان أوسع من الإمكان ؛ لكن ظهور الشيء في الشيء إنما هو بقدر قابلية المحلّ ، فيكونان سواء دلّ عليه إنهم جعلوا دائرة الوجود نصفين ، وجعلوا الخط المتوهّم فاصلا بين القوسين ، فالوجود ؛ كالقوسين أحدهما : قوس الوجوب ، والآخر قوس الإمكان ؛ وإنما جعلوا الخط متوهّما لا محققا ؛ لأن الوجود الإمكاني اعتباري مفروض ؛ لتمييز الحقائق ، والمراتب ، فإنه لولا الاعتبارات ؛ لبطلت الحقائق. (يَلْتَقِيانِ) التقاء الروح بالجسم ؛ لأن الروح في الحقيقة بحر الوجوب ، والجسد بحر الإمكان ، وإن كان مخلوقا كما ورد : «أول ما خلق روحي».