العدد وصلاح الدار الفانية وأهلها.
وقال في قوله : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) في السماء سراج الشمس ونور القمر وفي القلب سراج الإيمان والإقرار بالوحدانية والفردانية والصمدية ، وقمر المعرفة يشرق بأنوار الأزلية والأبدية فيتلألأ نور معرفته وإيمانه على لسانه بالذكر ، وعلى عينيه بالعبر ، وعلى جوارحه بالطاعة والخدمة ، وتلك الأنوار من تمام أولية الله للعبد في الأحوال كلها.
ثم بيّن سبحانه تخالف الليل والنهار لاعتبار العارفين وموعظة المريدين بقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) جعل تعاقب ليالي الفترة ، وكشوف نهار المشاهدة لزوائد ذكر العارفين وشكر المستأنسين.
قال بعضهم : خليفة يخلف أحدهما صاحبه لمن أراد خدمة ربه أو عبادته.
ثم وصف سبحانه على الوقار من العارفين والمطمئنين من المتمكنين بقوله سبحانه : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وصفهم بالعبودية خاصة ، ومن العرش إلى الثري ملكه وعبيده أراد بأنهم بلغوا ميادين العبودية بأنوار الربوبية فانسلخوا من كل مراد دون وجه حبيبهم فتصح عبوديتهم ؛ لانقطاعهم عن غيره ، يمشون على الأرض على حد الوقار والهدوء والسكينة إذ على مطايا قلوبهم أثقال أوقار أنوار عظمة الذات وسطوات الصفات.
ثم زاد في وصفهم بقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦٣) إذا سمعوا غير ذكر الله الصافي بنعت الإخلاص والمحبة والشوق ، يقولون للمتكلفين : (سَلاماً) أي : سلامة من الله علينا من مصاحبتكم ومباشرة تكلفكم.
قال الجنيد : عباد صفة مهملة ، وعبادي صفة بالحقيقة ، وعباد الرحمن صفة حقيقية بالحقيقة.
قال جعفر : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) بغير فخر ولا رياء ولا خيلاء ولا تبختر بل بتواضع وسكينة ووقار وطمأنينة وحسن خلق وبشر وجه.
كما وصف النبي صلىاللهعليهوسلم المؤمنين ؛ فقال : «هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد ، وإن أنخته على صخرة استناخ» (١).
وذلك لما طالعوا من تعظيم الحق وهيبته ، وشاهدوا من كبريائه وجلاله خشعت لذلك أرواحهم وخضعت نفوسهم وألزمهم ذلك التواضع والتخشع.
__________________
(١) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٦ / ٢٧٢) ، وابن المبارك في «الزهد» (١ / ١٣٠).