قال سهل في قوله : (سَلاماً) ، قال : صوابا من القول وسدادا.
ثم زاد في وصفهم بقوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) (٦٤) أخبر عن أحوالهم في شهود عظمته ، وجلال سلطان كبريائه حين كاشفهم جمال وجهه ، فساعة يتمرغون في التراب ، ويعفرون وجوههم به ؛ لحب عظمته وهيبة بهائه ، وساعة يصرعون من صولة أنوار صفاته وبروز جلال ذاته ، وساعة في القيام بنعت البهت والحيرة ، وساعة في الركوع في رؤية العظمة ، وساعة في السجود في مشاهدة دنو الدنو ، فهكذا يبيتون عشاقه في حضرته فيولهون من الذوق ، ويتحيرون من الشوق ، ويتيهون في تيه الكبرياء ، ويستأنسون بعروس البقاء :
لى اللّيل هزّتنى إليك المضاجع |
|
نهارى نهار النّاس حتّى إذا بدا |
ويجمعني والهمّ باللّيل جامع (١) |
|
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى |
قال أبو عثمان : أفنوا أوقاتهم في الخدمة تلذذا بالمناجاة ، وتقربا إليه ، وتحننا إليه ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم حاكيّا عن ربه : «لا ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ...» (٢) الحديث.
ثم وصفهم بالإنفاق بالقصد بغير الإسراف والتقتير بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) الإسراف في النفقة إنفاق في غير مرضاة الله ، الإنفاق بالرياء والسمعة والإقتار النجل والإمساك.
قال بعضهم : الإسراف في النفقة تعظيم المنفق نفقته ، والإقتار فيه الامتنان به على من ينفق عليه.
وقال ابن عطاء : الإسراف في النفقة إنفاق في غير مرضاة الله ، والإقتار الإمساك عن واجب حق الله.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) أي : إلا من انسلخ مما دون الله ، ورجع بالله إلى الله ، وعرف الله بالله وشرع في خدمة الله بنعت الإخلاص ، والصدق في طاعة الله فيبدل الله تقصيرا توفيرا أو تحقيره توقيرا ، وغيبه حضورا ، ومعصيته طاعة هذا وصف من قام في حضرة جلاله عند
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما لابن الدمينة في «التذكرة الحمدونية» لابن حمدون ص (٣٦٢٦).
(٢) رواه البخاري (٦٠٢١) ، وأحمد في مسنده (٦ / ٢٥٦).