شهود جماله بنعت الخجل والحيرة والحياء والفناء ؛ فيكون أوزاره أنواره وأنواره أسراره ، فإذا كان كذلك ؛ فإنه تعالى يتوب عليه بكشف المشاهدة ومداناة الوصلة ، وفتح خزائن جود القدم وحقائق ألطاف الكرم بقوله : (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ) [النساء : ١٧].
وقال عليهالسلام : «من تاب تاب الله عليه» (١).
ثم بيّن أن التائب الصالح العارف الصادق تقع توبته عند مشاهدة الله بقوله : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (٧١).
قال ابن عطاء : التوبة الرجوع من كل خلق مذموم والدخول في كل خلق محمود.
وقال طاهر : التوبة أن يتوب من كل شيء سوى الله.
ثم وصفهم بالقدس والطهارة عن شهود قلوبهم مشاهد الرياء والسمعة بقوله : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) لا يشهدون بقلوبهم وأسرارهم ما دون رؤية القدم ؛ فإن ما دون القدم يكون بالمحل كالعدم في العدم بالحقيقة ، وكل شيء يكون بنعت العدم فوجوده زور ؛ إذ لا حقيقة لوجوده مع وجود الحق الذي لم يزل ولا يزال موجودا حقيقيا.
ثم زاد في وصفهم أنهم لم يلتفتوا في مرورهم على أهل الدنيا ومزخرفاتهم إلى دنياهم كرما وظرافة بقوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (٧٢).
قال ابن عطاء : (يَشْهَدُونَ الزُّورَ) هو شهادة اللسان من غير مشاهدة القلب.
وقال جعفر : الزور أماني النفس ومتابعة هواها.
قال سهل : الزور مجالس المبتدعين.
قال أبو عثمان فيما سأله عنه أحمد بن حمدان من قوله : (يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال : لا يخالطون المدعين.
ثم زاد في وصفهم بالتنبه والتيقظ والاعتبار والفهم والإدراك في خطاب الله بقوله : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) (٧٣) إذا سمعوا كلام الله وقفوا عليه بنعت التدبر والتفكر فيه والاستكشاف والتبين ، فإذا وجدوا حقائق الخطاب أخذوا منه لطائف كنوز علوم الربوبية اللدنية ، وشاهدوا جمال الحق في كلام الحق.
قال ابن عطاء : لم ينكروها ولم يعرضوا عنها بل أقبلوا على أوامرها بالسمع والطاعة ونعمة عين.
__________________
(١) رواه البخاري (٣٨٢٦) ، ومسلم (٤٩٧٤).