ثم أخبر عن مقالتهم عند شهودهم مشاهدته بقوله : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي : اجعل أزواجنا وذرياتنا من أهل معرفتك ومشاهدتك ليكونوا زيادة نور أبصارنا ، واجعلهم مطيعين لك ومعاونين لنا في خدمتك.
قال جعفر : (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا) معاونة على طاعتك ، ومن أولادنا حتى تقر عيننا بهم.
ثم وصفهم بزيادة الدعاء على أنفسهم بأن يجعلهم أئمة الهدى ، وأن يجعلهم أئمة للمتقين أي : اجعلنا عرفاءك لنكون أئمة للزهّاد والعبّاد.
يا فهم ، إن العارف واصل مراد يعرف من الله مكان الحقائق ، ومثله كمثل عنقاء مغرب ، ومثل الزهاد وأهل التقوى كمثل الطيور الصغار المختلفة.
قال أبو عثمان : لا يكون إماما في التقوى من لم يصحح تقواه مع ربه ، وبقي عليه شيء من ذلك إنما الإمام المقدم في الشيء ، وإمام المتقين من يتقي كل شيء سوى الله.
ثم أخبر سبحانه عما يجازيهم بمأمولهم : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (٧٥) يجزون بغرف الوصال كشف أنوار الجمال بما صبروا في شوقه عنه به لا بغيره يسمعون سلام الله وتحيته واعتذاره إليهم ، والفرق بين السلام والتحية أن السلام سلامة العارفين في الوصال عن الفرقة ، والتحية روح تجلي حياة الحق الأزلي في أرواحهم وأشباحهم ، فيحيون بحياته أبد الآبدين (خالِدِينَ فِيها) دائمين في مشاهدة الله (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٧٦) حسنت مستقرا بهم ومقاما بهم بحسن جمال الحق.
قال الترمذي : أهل الغرف كائن في أوائل الآية لا في آخرها ، وإنما وصف أهل الغرف بما يعقل من ظواهر أمورهم ، وإنما نالوها بما في باطنهم ، ألا تراه تعالى يقول : (بِما صَبَرُوا) ، والصبر في الأخلاق والآداب.
قال الواسطي : التحية غير السلام ، السلام من عند الله ، والتحية صفرة الحياة مع الحق.
وقال أيضا : التحية من الله إلى الروح كسوة يحيا الروح بحياته ؛ فلا يلاحظ غير من حياه وأكرمه وأدناه تحية من عند الله مباركة طيبة.
وقال أيضا : التحية في الأصل ما يحيا به ، فيفرح الروح بذلك ، ويأنس به ، وقال : التحية في الدنيا على العقول بركات ما يقع عليها من طيب ما أجرى عليها.
وقال بعضهم : التحية أنس الأسرار بالحي ، والسلام سلامة القلوب من القطيعة.
وقال بعضهم في قوله : (مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) : طاب فيها المقام ، وحسن فيها القرار.