والحسد وحب الدنيا بقوله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) ، ووصفهم بالسخاوة بقوله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) : بيّن في الآيتين شرف المقامين من الفقر والغنى ، الذين هم مقام أمناء الله الذين لم يبق في قلوبهم من حبّ الدنيا ومالها وجاهها ذرة ، وهم الموصوفون في آخر الآية بقوله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : من صار حبيبه مقدّسا من حرص نفسه ظفر برؤية ربه.
قال سهل : حرص نفسه على شيء ، هو غير الله والذكر له ، فأولئك هم الباقون مع من أحيى بحياته.
سئل أبو الحسن البوشنجي عن الفتوة؟ قال : الفتوة عندي ما وصف الله به الأنصار من قوله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ.)
قال ابن عطاء : يؤثرون به جودا وكرما.
(وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) : يعني جوعا وفقرا (١).
وقال الحسين : من رأى لنفسه ملكا لا يصح له الإيثار ؛ لأنه يرى نفسه أحقّ بالشيء برؤية ملكه ، إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق ، فمن وصل إليه فهو أحقّ به ، فإذا وصل شيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب ، أو يد أمانة يوصلها إلى صاحبها ، ويؤديها إليه. سئل سهل عن شرائع الإسلام؟ فقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.)
نعمّ ما قال الشيخ : ما أتاكم الرسول من خبر الغيب ومكاشفة الرب ، فخذوه باليقين ، وما نهاكم عنه من النظر إلى غير الله ، فانتهوا.
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣))
قوله تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) : وصف الله المؤمنين بإسالة
__________________
(١) تقول العرب : فلان مخصوص إذا كان فقيرا ، فيؤثرون رضا الله على هواهم ، والإيثار شاهد الحب. وقد حكي عن وهيب بن الورد أنه قال : يقول الله : «وعزتي وعظمتي وجلالي ، ما من عبد آثر هواي على هواه إلا قللت همومه وجمعت عليه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وعزتي وجلالي ، ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كثرت همومه ، وفرقت عليه ضيعته ، ونزعت الغنى من قلبه ، وجعلت الفقر بين عينيه ، ثم لا أبالي في أي واد هلك». تفسير التستري (٢ / ١٣٦).