أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : انظر كم قال سبحانه هذه الآية على مبادئ السور ، وهذا عتاب مع المقصرين عن خدمته ، أي : يسبحني وجودك بغير اختيارك ، وأنت غافل من تسبيح وجودك له ، وذلك أن وجودك قائم في كل لمحة بوجوده ، يحتاج إلى الكينونية بتكوينه إياه أين قلبك ولسانك إذا اشتغلا بذكر غيرنا ، وفي الحقيقة لم يتحرك الوجود إلا بأمره ومشيئته ، وتلك الحركة أجابت داعي القدم في جميع مراده ، وذلك محض التقديس ، ولكن لا يعرفه إلا العارف بالوحدانية ، ومن كان محجوبا عن رؤية الحق فهو جاهل به ؛ لذلك قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، فمن وقع نور التجلي في الأزل له وتكون روحه بذلك النور ورأى الحق بنور الحق فهو صادق مصدق في قبول ما صدر من الغيب ؛ لأنه أهله ، ومن كان روحه محجوبا عن مشاهدة الوصلة يكون منكرا على ما يبدو له من آيات الله وكراماته وبرهانه وسلطانه.
قال القاسم : خاطبهم مخاطبة قبل كونهم ، فسمّاهم كافرين ومؤمنين في أزله ، فأظهرهم حين أظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم ، وأخبرته علم ما يعملون من خير وشر.
قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) : بيّن الله سبحانه في هذا الآية سر مقام التوحيد ، وإفراد القدم عن الحدوث ، وسر مقام عين الجمع ، إذا قال : (صَوَّرَكُمْ) أفرد الوحدة ونعتها بالقدم وأفرد آنيتها عن العلل ؛ إذ العلل بتعليله تكوّنت ، وإذا قال : (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لا يكون حسن الصورة إلا بتجلي حسن فعله ونعته واسمه ونوره وغيبه وصفته وذاته ، فألبسها نعوت الصفاتية وأنوار الذاتية ، فتصورت على رؤية القدم بنعت ما في القدم من علم الغيب وغيب الغيب ؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام : «خلق الله آدم على صورته» (١).
قال الحسين : أحسن الصورة صورة أعتقت من ذل كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيه من روحه ، وألبسه شواهد النعت وجلاه بالتعليم شفاها ، وأسجد له الملائكة المقرّبين ، وأسكن في المجاورة وزيّن باطنه بالمعرفة ، وظاهره بفنون الخدمة.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) : الغبن كل الغبن ألا يعرف مكان خطابه والطاقة التي ظهرت له في الدنيا والآخرة بلباس القهريات ومكان
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٢٩٩) ، ومسلم (٤ / ٢٠١٧).