الامتحان ، وربما زاده الحق في أوحش مقام وهو مشغول الرسم ، ولم يعرف شرف حاله ، فكان مشغولا عنه برسم الاعتذار والعبودية ، فيا ربّ صفاء في الكدورة ، ويا ربّ مكاشفة في المعصية ، اكتم يا أخي غيب الحق بستر غيره حتى لا يكون السر ظاهرا لأهل الرسوم ، فيسقطون من إيمانهم ، يقع الغبن يوم التغابن لمن كان مشغولا بالجزاء والعطاء ورؤية الأعواض ورؤية المعصية والطاعة ، ومن كان شاهد الحق خرج من وصف الغبن ؛ إذ الغبن من أوصاف من كان غائبا عن مشاهدته ، فإذا استغرق في بحار جماله وجلاله لا يبقى عليه فرح الغبن ، ولا حزن الفوت ، إذ الكل غابن له ، وسقط عند ذكر ما مضى وما يستقبل ، ولي لسان آخر في التوحيد أن الكل يقع في الغبن ، إذا عاينوا الحق بوصفه وهم وجدوه أعظم وأجل مما وجدوا منه في مكاشفتهم في الدنيا ، فيكونون مبهوتين متحيرين مغبونين ؛ حيث لم يعرفوه حق معرفته ، ولم يعبدوه حق عبادته ، ولا يعرفون أبدا حقيقة المعرفة ، وأي غبن أعظم من هذا ؛ إذ يرونه ولا يصلون إلى وجوده بالحقيقة.
قال ابن عطاء : «تغابن» أهل الحق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلي ، و «التغابن» في رؤية القلب الأعظم وأجل من رؤية الغبن ؛ لأن رؤية الغبن تذهل عن التأمل وهو مقصر عما أطلق لغيره عندها يظهر لكل أحد ، ومن ظهر له الحق بحقه أخرسه من جميع نطقه من منازلته أو منازعته.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) : بيّن الله سبحانه وصف الفطرة السليمة التي فطرها على قبول ما جاء من الغيب من الأمور العالية المبغلة قلوب العارفين إلى معادنها ، أي : من كان له قلب سليم يقبل قول الحق ويتبع الحق بالحق ، يعرّفه الحق طريق الحقيقة ،