فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨))
(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ) (٢) : يوم تحقّق حقائق الأمور عيانا ، لا يبقى فيها ريب أهل الظنون ، وينكشف الحق لأهل الحق ، ولا معارضة للنفس فيها ، ونبيّن للجاهلين أعلام ولاية العارفين.
قال سهل : اليوم الذي يلحق كل أحد بعلمه.
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥))
قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) : الإشارة فيه أنه لما أوجد الله الأرواح قبل الكون أتى بها شط قاموس كشف ذاته وصفاته ، فشربت الأرواح زلال أنهار القربة ، وشراب الوصلة ، وسمعت خطاب الألوهية ، وسكرت من حلاوة الجمال والجلال ، وهاجت إلى لحجها ، وكادت تستغرق وتفنى فيها حين علا عليها أمواج سطوات العزة ، ولطمات العظمة حملها الله هناك بعض العناية لتجري بها من الآزال إلى الآباد ، ومن الآباد إلى الآزال ، فلما دار دور الدهر الدّهار وجرى جري الفلك الدوّار وخلق الكون جعل لها سفينة صورة آدم ، وحمل بها الأرواح الغيبية الملكوتية ، فتجري بها إلى معادنها الأولية.
قال القاسم : الأجسام لم تكن ، والأرواح لا تحمل الجاري ، وإنما هو جريان الحق بشرط الاتسام إذا عاينت الروح هذه المقامات عرفت سره.
قال الواسطي : أحد شقي آدم ، وأخرج منه الذرية.
قال : حملناكم بشواهدنا ، وأجرينا لكم الأوقات على مقاديرنا.
وقال الأستاذ : ذلك منته على خواص أوليائه أن يسلمهم في سفينة العافية ، والكون يتلاطم أمواج بحار أشغالها على اختلاف أوصافها ، وهم بوصف السلامة لا منازعة مع كل واحد ، ولا محاسبة مع أحد ، ولا توقع من أحد ، سالمون من الناس ، والناس منهم سالمون.
قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٢) : حقائق أسرار الخطاب لا يعلمها إلا القلوب الذاكرة ، والأرواح الشائقة ، ولا يسمع أصوات هواتفها بالحقيقة إلا سماع الأسرار من