الأنوار للأرواح والعقول ، تسمعها من الحق ، وتفهمها بالحق.
قال الوسطي : آذان وعت عن الله أسرارها.
وقال : «واعية» في معادنها ليس فيها من شاهدها شيئا ، هي الخالية عمن سواه ، فما اضطراب الطبائع إلا ضربا من الجهل.
قال جعفر : تلك آذان فتحها الله للمواعظ ، وشرح قلوبا ؛ لقبول تلك المواعظ ، وسهّل على نفوسها استعمال تلك المواعظ ، والقيام بمواجبها.
وقال : تلك آذان أسمعها الله في الأزل خطابه ، فهي «واعية» : يعني من الحق كل خطاب (١).
(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤))
قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤) : يعتد الحق لأوليائه العاشقين الذين يحملون مؤن أثقال الحجاب يوم كشف النقاب ، ويقول لهم : اشربوا شراب وصالي هنيئا لكم ، بأنه وصال بلا فراق ، وعيش بلا كدورة ، وأنس بلا وحشة ، بما أسلفتم من إلقاء أزمة همومكم على أعناق مراكب أفكاركم التي صعدت عند كل نفس إلى مصاعد ملكوتي ، وسادات جبروتي ، كم شوق تشتاقون به إليّ ، وكم غمّ تغتمّون به لأجلي ، وكم بذل تبتذلون به لأجلي حين بذلتم أرواحكم لضرب سيوف شوقي ، وكم تمرغ من أنفسكم في تراب جناب حضرتي ، لأجل مشاهدتي ، هنيئا لكم لقائي أبدا ، عيشوا في رياض قربي ، واستأنسوا بجمالي ، فأنتم لي ، وأنا لكم ، والإشارة في الأيام الخالية أيام الله الذي هو منزّه عن دور الأفلاك ، ومطهّر من الكون والأملاك ، أيام قدم القدم وأزل الأزل أسلف الله لهم العناية ، فتلك الأيام خالية من الأعمال والعلّات والأسباب ، كأن تلك العناية أسفلها المحبوبون ؛ إذ الحبيب الأكبر قائم مقامهم قبل وجودهم ، فمن حيث الاتحاد الحبيب
__________________
(١) أي حافظة لما جاء من عند الله. وقيل أذن سمعت وعقلت ما سمعت وقيل لتحفظها كل أذن فتكون عظة وعبرة لمن يأتي بعد والمراد صاحب الإذن والمعنى ليعتبر ويعمل بالموعظة. تفسير الخازن (٦ / ص ١٥٣).