المبارك ذاته وصفاته ، (بُورِكَ) قدس عن إشارة كل مشبهي ، أشار إليه بالأماكن والجهات هو تعالى تجلى بوصف النار والنور من الشجرة ، والطور ذاته وصفاته منزه عن الجملة ، وهو قادر أن يري نفسه لعاشقه بكل ما يليق بحاله ، ولم يتجل له صرفا من عزة ذاته وجلال صفاته لا يحتمل الكون والكائنات بأسرها بل هذا تربية العاشق ، ربما يرى نفسه من شجرة ، وربما يرى نفسه من الشمس والقمر والكواكب وغيرها من آيات ملكوت السماوات والأرض ، لذلك قال إبراهيم : (هذا رَبِّي)
وقال عليهالسلام : «إن الله تعالى يرى هيئة ذاته كيف شاء» (١).
ويجوز أن تلك البركة تعود إلى موسى من مشاهدة من النار ، وفي كل موضع تظهر بركة كشف مشاهدة الحق يكون مباركا ذا بركة ؛ ألا ترى إلى قول القائل :
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها |
|
زلال وسلسال وشيخانها ورد |
قال ابن عطاء : أصابتك بركة النار بموارد الأنوار عليك ، ومخاطبة الحق إياك ؛ فإنك أنست في الظاهر نارا ، وأنست به ، وكان في الحقيقة أنوارا ؛ فأزال عنك أنسك بها ، وخصك بالأنس بنورها فكلمك وثبتك عند الكلام خصصت بها من بين جميع الرسل.
(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))
قوله تعالى : (لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠) أي : لا تخف من الثعبان ؛ فإن ما ترى فهو ظهور تجلي عظمتي ، ولا يخاف من مشاهدة عظمتي وجلالي في مقام الالتباس المرسلون ؛ فإنهم يعلمون أسرار ربوبيتي (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) إلا من وقف منهم في حظ العشق والمحبة ؛ فلما احتجب بهما يفزع عند ظهور عظمتي وجلالي ، فإنه غير مستأنس بهما ، فلما ارتفع ذلك الحجاب عنه ، وعلم ما فات عنه ورجع إليّ من حظه بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) بسوء الحجاب ، والوقوف بالحظ : (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) (غَفُورٌ) بلا حرم ،
__________________
(١) هو من الأحاديث التي تفرد المصنف بذكرها في كتبه.