(رَحِيمٌ) بأن أوصله إلى أعلى المقامات من المشاهدة ، وتصديق ما ذكرنا ما قال الواسطي : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) برؤية النفس والالتفات إليها.
وقال القاسم : إلا من خاف غيرنا.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) افهم أن العلم علمان علم البيان وعلم العيان ، علم البيان ما يكون بالوسائط الشرعية ، وعلم العيان مستفاد من الكشوفات الغيبية ؛ فما ذكر الله سبحانه فيما أعطاهما ، فهو من العلمين البياني والعياني ، فالعلم البياني معروف بين العموم ، والعلم العياني مشهور بين الخصوص لم يطلع عليه إلا ولي أو نبي ؛ لأنه صدر من الحق لأهله ، شهوده من المحبين والعارفين والموحدين والصديقين والأنبياء والمرسلين ، ومن ذلك العلم علم اللدني ، والعلم اللدني حقائقه علم المجهول ، وعلم المجهول ما يكون صورته بخلاف علم الظاهر مثل صنيع الخضر عند موسى ـ عليهماالسلام ـ من قتل الغلام وغيره ، وهو حلم الأفعال وبطون حقائق المقدرات والأمور الغيبية ، وما يتعلق بالملك والملكوت الذي هو المرتبة الأولى من علوم المعارف ، والحكم المرتبة الثانية علوم الأسماء والنعوت والصفات مثل ما علمه الله آدم بقوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ، والمرتبة الثالثة العلم بالذات : وهو علم الأسرار وهذه العلوم يجمعها قسمان قسم مستفاد من الخطاب والإلهام والكلام ، وقسم يتعلق بكشف الذات والصفات والأفعال ، وما أشرنا إلى هذه ، وهو صورتها وحقائقها ذوقي كشفي لا يطلع عليها إلا من شاهد الحق بالحق ، ويستغرق في بحارها ، وعرف أنها غير محصورة للعقول ؛ لأنها صفات قديمة لا نهاية لها ؛ فلما عظم شأنها حمدا الله بما نالا منه من الله ، بقوله : (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥) أي : خصنا في الأزل بهذه الخاصية من بين عباده تفضلا ، وامتنانا واصطفائية مقدسة في سوابقات حكمه الديمومية عن علل الاكتساب.