صالِحاً تَرْضاهُ) أي : أسرع إليك بنعت الشوق إلى لقائك ، واترك ما دونك لك (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) أي : اجعلني مستأنسا للعارفين ، ومحبوبا للمحبين ، وفهم قوله : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) إن ضحك سليمان كان ظاهره تعجبا من قول النملة ، وباطنه فرحا بما أعطاه الله من فهم كلام النملة.
قال الجنيد : قال سليمان لعظيم النمل : لم قلت للنمل : ادخلوا مساكنكم أخفت عليهن مني ظلما ، قال : لا ، ولكن خشيت أن يفتنوا بما يرون من ملكك ؛ فيشغلهم ذلك عن طاعة ربهم.
وقال ابن عطاء : في قوله : (وَأَدْخِلْنِي) : حببني إلى عبادك الصالحين.
قال سهل : ارزقني خدمة أوليائك لأكون في جملتهم ، وإن لم أصل إلى مقامهم.
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨))
قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠) دقيقة الإشارة أن طير الحقيقة لسليمان طير قلبه ، فتفقده ساعة ، وكان قلبه غائبا في غيب الحق ، مشغولا بالمذكور عن الذكر فتفقده وما وجده ، فتعجب من شأنه أين قلبه إن لم يكن معه؟! وما كان في الكونين ، فظن أنه غائب عن الحق ، وكان في الحق غائبا ، وهذا شأن غيبة أهل الحضور من العارفين ساعات لا يعرفون أين هم ، وهذا من كمال استغراقهم في الله فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) لأعذبنه بالصبر على دوام المراقبة والرعاية والغيبة في بحر النكرة في المعرفة ليفنى ، ثم يفنى عن الفناء أو أذبحته بسيف المحبة أو بسيف العشق ، أو ليأتيني من الغيب بسواطع أنور أسرار