فهذان المحدّثان وغيرهما يزعمان أنّ هذا التنويع يختص بالمتأخرين المجتهدين ، وأنّ قدماء الأصحاب كانوا يعتقدون بصحّة أحاديث «الاصول الأربعمائة» التي منها ألّفت «الكتب الأربعة».
ولكنّ الظاهر أنّ هذه الدعوى لا أساس لها من الصحّة ، فقد أجاب عنها شيخنا الجدّ ـ رحمهالله تعالى ـ بقوله : «وقد زعم القاصرون من الأخباريين اختصاص هذا الاصطلاح بالمتأخرين الذين أوّلهم (العلّامة) رحمهالله على ما حكاه جمع منهم الشيخ البهائي رحمهالله في (مشرق الشمسين) أو (ابن طاوس) كما حكاه بعضهم ، فأطالوا التشنيع عليهم بأنّه اجتهاد منهم وبدعة.
ولكنّ الخبير المتدبّر يرى أنّ ذلك جهل منهم وعناد ، لوجود أصل الاصطلاح عند القدماء ، ألا ترى إلى قولهم : لفلان كتاب صحيح ، وقولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان ، وقول الصدوق رحمهالله : كلّ ما صحّحه شيخي فهو عندي صحيح ، وقولهم : فلان ضعيف الحديث ، ونحو ذلك.
فالصادر من المتأخرين تغيير الاصطلاح إلى ما هو أضبط وأنفع ، تسهيلا للضبط وتمييزا لما هو المعتبر منها عن غيره» (١).
وأمّا قول المحدّث البحراني : «فأمّا المتقدّمون ...» ففيه : أنّ الأمر ليس كذلك ، بل ربّما طعن الشيخ المفيد والشيخ الصدوق في بعض أحاديث الشيخ الكليني ، وطعن الشيخ الطوسي في بعض أحاديث الصدوق والكليني (٢).
__________________
(١) مقباس الهداية في علم الدراية : ٣٢.
(٢) راجع : مفاتيح الاصول ، وأوثق الوسائل ، وقد بحث صاحب هذا الكتاب الموضوع من جميع جوانبه من ص ١٢٢ الى ص ١٣٣ فراجعه فإنّه جدير بالملاحظة.
هذا ، وذهب السيد الخوئي في (رجاله) إلى أنّ أخبار الكتب الأربعة ليست قطعية