ناعس» يعني : فلم يتدبّر الوجه الذي هو أولى من الآخر. وكذا سائرها» (١).
وأتعب السيوطي نفسه في هذا المقام ، فإنّه بعد أن أورد الآثار بيّن وجه الإشكال فيها وتصدّى لتأويلها ... ولننقل عبارته كاملة لننظر هل جاء «بما يليق»؟!
قال : «هذه الآثار مشكلة جدّا ، وكيف يظنّ بالصحابة أولا : أنّهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن ، وهم الفصحاء اللدّ؟! ثمّ كيف يظنّ بهم ثانيا : في القرآن الذي تلقّوه من النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما انزل ، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟! ثم كيف يظنّ بهم ثالثا : اجتماعهم كلّهم على الخطأ وكتابته ...
ثمّ كيف يظنّ بهم رابعا : عدم تنبّههم ورجوعهم عنه؟! ثمّ كيف يظنّ بعثمان : أنّه ينهى عن تغييره؟! ثمّ كيف يظنّ أنّ القراءة استمرّت على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف؟! هذا ممّا يستحيل عقلا وشرعا وعادة.
وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :
أحدها : أنّ ذلك لا يصحّ عن عثمان ، فإنّ إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأنّ عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ، فإذا كان الّذين تولّوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟! وأيضا : فإنّه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدّة مصاحف.
فإن قيل : إنّ اللحن إن وقع في جميعها فبعيد اتّفاقها على ذلك ، أو في بعضها. فهو اعتراف بصحّة البعض ، ولم يذكر أحد من الناس أنّ اللحن كان في
__________________
(١) الإتقان ٢ : ٣٢٩.