فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول : بأن الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ولا موجب للتقييد عقلا ، لعدم استحالة كون الخروج واجبا وحراما باعتبارين مختلفين ، إذ منشأ الاستحالة إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم ، مع تعدد الجهة ، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسببا عن سوء الاختيار (١) ، وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا
______________________________________________________
واجبا أو ممتنعا باختياره لا ينافي كون ذلك الفعل اختياريا وان الاختيار من شرائط التكاليف.
(١) استدل القائل بالقول الرابع ـ وهو كون الخروج منهيا عنه ومأمورا به ـ ان دليل الغصب المنطبق على الخروج لكونه تصرفا بغير اذن المالك ، ودليل المقدمية المنطبق عليه ايضا لكونه يتوقف عليه التخلص الواجب يجب اعمالهما ، ولا يمنع من اعمالهما معا لكونهما منطبقين على واحد لا مندوحة فيه ، لان المانع من ذلك اما اجتماع الضدين لتضاد الاحكام او التكليف بما لا يطاق لعدم المندوحة وكلاهما ليسا بمانعين.
اما اجتماع الحكمين في واحد فلا يمنع لانهما بعنوانين ، فان النهي بعنوان الغصب والأمر بعنوان المقدمية ، وتعدد العنوان كاشف عن تعدد المعنون ، فهذا الواحد اثنان عند التحقيق وليس بواحد.
واما التكليف بما لا يطاق فلا يمنع ايضا لان السبب في هذا التكليف الذي لا يطاق هو سوء اختيار المكلف ، وحيث كان اجتماعهما الموجب للتكليف بما لا يطاق في المقام هو سوء اختياره فلا تقع تبعة هذا الاجتماع على الشارع ، وانما تقع تبعته على المكلف لانه هو السبب وبسوء اختياره جمع بينهما ، ولذا لو كان الاضطرار لا بسوء الاختيار لما وقع الخروج الا مأمورا به فقط.