طعام غيره» (١).
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠))
قوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [٦٨] فيه دليل على أن الحميم خارج الجحيم ، فاذا أكلوا الزقوم في النار بالشبع غلبهم العطش فسيقوا إلى الحميم فشربوه مع كراهية ، قوله (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) [٦٩] سبب لما بستوحبون العقوبة به ، أي هم وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [٧٠] أي يسرعون ويتبعون سنتهم في مثل (٢) أعمالهم آبائهم ، من أهرع إذا أسرع شديدا.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) أي قبل قومك قريش (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) [٧١] أي أضلهم إبليس وأتباعه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) [٧٢] أي رسلا ينذرونهم كما أرسلناك إلى قومك فكذبوهم كما كذبوك فعذبهم الله تعالى في الدنيا (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) [٧٣] أي الذين أنذروا وحذروا ، يعني أهلكوا جميعا بالعذاب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [٧٤] فانهم لم يعذبوا لإخلاصهم الإيمان بالله بتوفيقه.
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧))
ثم زاد إنذارهم بذكر نوح عليهالسلام ودعائه إياه حين أيس من إيمان قومه فقال (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) أي دعانا على قومه للانتصار بقوله «إني مغلوب فانتصر» (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) [٧٥] أي فو الله لنعم المجيبون نحن (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [٧٦] وهو الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [٧٧] مدة الدنيا ، لأن جميع الناس من أولاد سام وحام ويافث ، وهم الذين نجوا من الغرق في السفينة ، قيل : «سام أبو العرب وفارس وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم ويأجوج ومأجوج والترك» (٣).
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١))
(وَتَرَكْنا) أي أبقينا (عَلَيْهِ) أي على نوح ذكرا حسنا (فِي الْآخِرِينَ) [٧٨] من الأمم (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) أي البركة والسعادة عليه (فِي الْعالَمِينَ) [٧٩] أي بين العالمين لكرامته علينا ، فهو دعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا ، وقيل : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) مفعول (تَرَكْنا)(٤) ، أي جعلنا هذا اللفظ يقال له بعد موته لذلك (إِنَّا كَذلِكَ) أي جزائنا نوحا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [٨٠] إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [٨١] أي المتصدقين بالتوحيد.
(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣))
(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) [٨٢] من قومه الكافرين (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) أي ممن شايع ، يعني تابع نوحا على أصل الدين ومنهاجه (لَإِبْراهِيمَ) [٨٣] وإن اختلفت الشرائع وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة.
(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥))
[٨٥](إِذْ جاءَ رَبَّهُ) ظرف لمعنى المتابعة في الشيعة ، أي ممن شايع نوحا إبراهيم وقت مجيئه ربه (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [٨٤]
__________________
(١) روى الترمذي نحوه ، صفة جهنم ، ٤ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١١٦.
(٢) سنتهم في مثل ، ح : سنتهم مثل ، ي ، بسننهم في مثل ، و.
(٣) عن سعيد بن مسيب ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١١٦ (عن قتادة).
(٤) وهذا الرأي منقول عن البيضاوي ، ٢ / ٢٩٦ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ١٥ / ٩٠.