(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ ، خبر ه «تعسوا» ، يدل عليه (فَتَعْساً) أي هلاكا وخيبة في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار (لَهُمْ) من تعس فلان إذا عثر وسقط (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [٨] عطف على الفعل الناص ب «تعسا» ، أي فقال تعسا لهم وأضل ، أي أبطل الله ثواب حسناتهم.
(ذلِكَ) أي التعس والإضلال (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن والأحكام (فَأَحْبَطَ) أي أبطل (أَعْمالَهُمْ) [٩].
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠))
ثم شرع في تخويفهم ليعتبروا فيؤمنوا بقوله (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي في البلاد (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي أهلك أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالعذاب (وَلِلْكافِرِينَ) أي ولكافري قريش وغيرهم من هذه الأمة (أَمْثالُها) [١٠] أي أمثال عاقبة المدمر عليهم وعذابهم إن لم يؤمنوا».
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١))
(ذلِكَ) أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي وليهم وناصرهم بالغلبة على عدوهم (وَأَنَّ) أي بأن (الْكافِرِينَ لا مَوْلى) أي لا ناصر (لَهُمْ) [١١] يعني لا تنصرهم آلهتهم من العذاب النازل بهم (١) ولا يناقضه قوله «فردوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» (٢) ، فانه أثبت لهم المولى ، لأن المولى هنا بمعنى الرب والمالك دون الناصر.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢))
ثم بين مستقر الصالحين ومستقر الغافلين بقوله (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبعث (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إدخالا لا إخراج بعده (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا وغفلوا عن البعث (٣)(يَتَمَتَّعُونَ) أي يعيشون بما أعطوا في الدنيا (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي ليس لهم هم إلا الأكل والشرب والجماع في الدنيا ولا يتفكرون في مآلهم (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [١٢] أي منزلا لإقامتهم.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣))
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كم من أهل قرية (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً) أي منعة وأكثر عدة وأوفر مالا (مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) أي أهل مكة الذين أخرجوك من مكة إلى المدينة (أَهْلَكْناهُمْ) أي عذبناهم عن التكذيب (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) [١٣] أي لم يكن مانع يمنعهم من نزول العذاب بهم ، فهذا تخويف آخر لهم ، قيل : إن عذابهم أمر قد مضى ، فكيف قال «فلا ناصر لهم»؟ أجيب بأن مجراه مجرى الحال المحكية كقولك إنا أهلكناهم فهم لا ينصرون (٤).
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤))
ثم أشار إلى جهلهم وعدم تمييزهم بقوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) أي حجة واضحة (مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي قبحه فرآه حسنا وهم مشركو مكة (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [١٤] بعادة غير الله ، فهو إنكار للمساواة بين المهتدي والضال في الثواب.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ
__________________
(١) بهم ، ح و : ـ ي.
(٢) الأنعام (٦) ، ٦٢.
(٣) عن البعث ، ح و : بالبعث ، ي.
(٤) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٢٦٣.