(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩))
قوله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) في جواب الشرط المحذوف ، أي إذا علمت عاقبة الأمر من سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على العلم بتوحيد الله يا محمد والمراد أمته أو فاثبت على إظهار قول «لا إله إلا الله» لدعوة الناس إليه (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ليستن بك غيرك (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ليغفر لهم ذنوبهم (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) بالنهار في أحوالكم ومعاشكم (وَ) يعلم (مَثْواكُمْ) [١٩] أي مقركم ومنزلكم بالليل ، وقيل : متقلبكم في حيوتكم ومثويكم في قبوركم أو في الآخرة من الجنة والنار فاحذروه (١).
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠))
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) وهم الذين آنسوا بالوحي واستوحشوا بابطانه (لَوْ لا) أي هلا (نُزِّلَتْ سُورَةٌ) اشتياقا إلى الوحي بها ، وقيل : المراد ب (الَّذِينَ) آمنوا باللسان (٢) ، فقال تعالى (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) أي غير منسوخة الأحكام من الجهاد وغيره (وَذُكِرَ) أي فرض (فِيهَا الْقِتالُ) فرح المؤمنون المخلصون و (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك وهم المنافقون (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ) أي نظرا مثل نظر المغشي عليه ، يعني الذي أصابته الغشية أي الحيرة (مِنَ الْمَوْتِ) إذا نزل به وعاين الملائكة خوفا منك وكراهية نزول القرآن بذلك ، عن قتادة : «كل سورة ذكر فيها القتال فهي محكمة» (٣) ، وهي أشد القرآن على المنافقين ، وقيل : لها محكمة لأن النسخ لا يرد عليها من قبل أن القتال قد نسخ ما كا من الصفح والصلح وهو غير منسوخة إلى يوم القيامة (٤) ، قوله (فَأَوْلى) مبتدأ ، خبره (لَهُمْ) [٢٠] أي العذاب الأولى لهم بسبب نفاقهم وهو تهديد لهم من الولي وهو القرب ، ومعناه الدعاء عليهم.
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١))
قوله (طاعَةٌ) مبتدأ (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) عطف عليه ، والخبر محذوف وهو خير لهم ، أي طاعتهم لما أنزل من القرآن ، وقول مرضي في حقه وشأن محمد عليهالسلام خير لهم ثوابا من إنكارهم واستهزائهم به (فَإِذا عَزَمَ) أي وجب (الْأَمْرُ) بالقتال وجاء وقته ، وجواب «إذا» محذوف وهو كرهوا ذلك وكذبوا في قولهم (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) في أمره بالقتال وعزمهم الحرص فيه أو صدقوا نبي الله في إظهار الإيمان به والطاعة فيما جاء به (لَكانَ)(٥) الصدق (خَيْراً لَهُمْ) [٢١] من النفاق والكراهة والكذب.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))
قوله (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب مبالغة في التوبيخ ، وقرئ بكسر السين (٦) ، أي هل تريدون وترجون يا أهل مكة بعد الإيمان (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي أعرضتم عن دين الإسلام (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي كما كنتم تفسدون في الجاهلية (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [٢٢] يعني بسفك الدم والعقوق ودفن البنات وعصيان الرحمن ، وقيل : نزلت في حق الأمراء والولاة (٧) ، أي إن صرتم متولين على أمورنا الناس يقع منكم الإفساد والظلم وتقطيع الأرحام بسبب التولية.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣))
(أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي طردهم من رحمته (فَأَصَمَّهُمْ) عن استماع الحق (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) [٢٣] عن طريق الهدى.
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٢٦٥.
(٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٣) انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٤ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٥٩ ؛ والكشاف ، ٥ / ١٦٥.
(٤) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ١٦٥.
(٥) أي ، + ح.
(٦) «عسيتم» : كسر السين نافع ، وفتحها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٩٧.
(٧) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٥.