(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤))
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ) أي ألا يستمعون (الْقُرْآنَ) فلا يتفكرون فيه من وعده ووعيده فيعرفون الحق فيؤمون به (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [٢٤](أَمْ) فيه بمعنى بل وهمزة التقرير ، أي بل أعلى قلوبهم أقفالها ، أي أغطيتها من وصول الذكر إليها بشؤم أعمالهم القبيحة ، فلذلك لا يتدبرونه ولا يعونه وأراد بها قلوب المنافقين وأعداء الدين ، قيل : نكر ال (قُلُوبٍ) إما للدلالة على بعض القلوب وإما لأن يراد بها قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك وإما أضيفت ا ل «أقفال» إليها لإرادة الأقفال المختصة بها وهي أقفال الكفر التي استغلقت لا تنفتح (١).
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) نزل في المنافقين (٢) أو اليهود الذين عرفوا نعت النبي عليهالسلام فكفروا به (٣) ، أي إن الذين رجعوا إلى الكفر سرا (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) أي ظهر لهم حقية الإسلام فنافقوا أو ظهر لهم في التورية أن محمدا عليهالسلام حق ودينه حق ، فرجعوا إلى الإنكار بعد العرفان ، قوله (الشَّيْطانُ) مبتدأ ، خبره (سَوَّلَ) أي زين (لَهُمُ) أعمالهم السوء ، وهما في محل الرفع خبر «إِنَّ الَّذِينَ» (وَأَمْلى لَهُمْ) [٢٥] معلوما ومجهولا (٤) ، أي مد الله في عمرهم ، يعني أمهلهم في ارتكاب معاصيهم ، ثم أخذهم أو الإملاء للشيطان بأن قال لهم لا جنة ولا نار ولا حساب أو خيل لهم تطويل مدة العمر والبقاء فارتكبوا المعاصي وتركوا الهدى.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦))
(ذلِكَ) أي الإضلال والخذلان (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أن المرتدين (قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) أي القرآن وهم المشركون من بني قريظة والنضير (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي أمر لمعاونة على عداوة النبي عليهالسلام وتثبيط الناس عن الجهاد معه ، فانهم قالوا ذلك سرا فأظهره الله تعالى بدلالة قوله (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) [٢٦] فيما بينهم ، قرئ بالفتح جمعا وبالكسر مصدرا (٥).
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧))
ثم خوفهم الله تعالى بقوله (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ) أي كيف يكون حالهم إذا قضيت (الْمَلائِكَةُ) أرواحهم حال كونهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [٢٧] أي ظهورهم بمقامع الحديد عند قبض الأرواح ، قال ابن عباس رضي الله عنه : «لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب الملائكة» ـ أي ملك الموت وأعوانه ـ وجهه ودبره» (٦) ، وقيل : يضربون ذلك في النار يوم القيامة (٧).
(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨))
(ذلِكَ) أي الضرب في الموت أو في النار (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الكفر وتكذيب محمد عليهالسلام (وَكَرِهُوا) أي أبغضوا (رِضْوانَهُ) أي العمل بما يرضيه (فَأَحْبَطَ) أي أبطل الله (أَعْمالَهُمْ) [٢٨] أي ثوابها.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩))
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي أظن المنافقون (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ) أي لن يظهر (اللهُ أَضْغانَهُمْ) [٢٩] أي أحقادهم وهي بعضهم ونفاقهم وعداوتهم المؤمنين والنبي عليهالسلام.
__________________
(١) أخذ المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٥ / ٢٦٦.
(٢) عن ابن عباس والضحاك والسدي ، انظر البغوي ، ٥ / ١٦٠.
(٣) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٦٠.
(٤) «وأملى» : قرأ أبو عمرو بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء ، وقرأ يعقوب بضم الهمزة وكسر اللام وإسكان الياء ، والباقون بفتح الهمزة واللام وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٩٧ ـ ٢٩٨.
(٥) «إسرارهم» : قرأ حفص والأخوان وخلف بكسر الهمزة ، وغيرهم بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٩٨.
(٦) انظر الكشاف ، ٥ / ٢٦٧.
(٧) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٤٦.