(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠))
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) أي لعرفناك المنافقين (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم الخبيثة ، كررت اللام الداخلة في جواب (لَوْ) مبالغة في التعريف ، واللام في (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) جواب قسم محذوف ، أي والله لستعرفنهم (١) يا محمد (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي في محاورة الكلام بعد هذا اليوم ، من لحن كلامه بفتح الحاء إذا أمال عن وجهه ، وبكسرها بمعنى غني فيه ، قيل : «ما خفي على النبي عليهالسلام شيء من أمر المنافقين بعد ما أنزل هذه الآية» (٢) ، ثم التفت إلى الخطاب تهويلا لهم بقوله (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) [٣٠] أي احذروا أيها المنافقون من الله ، فان الله يعلم أعمالكم ، يعني قبل أن تعملوها فكيف لا يعلم بعد ما عملتم.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١))
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي لنختبرنكم عند القتال (حَتَّى نَعْلَمَ) أي نميز (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ) نميز (الصَّابِرِينَ) على القتال عن غيرهم (وَنَبْلُوَا) أي نختبر (أَخْبارَكُمْ) [٣١] أي أخبار أعمالكم بين الناس وهي جمع خبر وهو خبر العمل والصبر ، يعني لنبلونكم حتي يظهر ما يخبر به عنكم من أفعالكم من جهاد وصبر وغيرهما ، فان الخبر بين الناس على حسب المخبر عنه إن حسنا فحسن وإن قبيحا فقبيح ، قرئ في الأفعال الثلاثة بالنون لإضافة الفعل إلى نفسه وبالياء غيبة (٣) لإسنادها إلى الله تعالى.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) أي صرفوا الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دين الإسلام (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي خالفوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) أي حقية (٤) الإسلام وأمر النبي عليهالسلام أنه الحق (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) أي لن ينقصوا من ملكه (شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) [٣٢] أي يبطل ثوابها في إسلامهم أو يبطل مكائدهم التي نصبوها في مشاقة الرسول فلا يصلون إلى أغراضهم في كفرهم ، قيل : هم بنو قريظة والنضير (٥) ، وقيل : هم رؤساء قريش (٦) والمطعمون يوم بدر (٧).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣))
ثم زاد النصح لهم بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) في السر كما تطيعونه في العلانية (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما يأمركم من أمر الجهاد (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [٣٣] أي حسناتكم بالرياء والسمعة وبفساد النية والعجب ، قيل : نزلت الآية في الذين قال تعالى فيهم : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا)(٨) ، روي : «أن أصحاب النبي عليهالسلام كانوا يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم» (٩).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) أي وهم كفار مكة (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [٣٤]
__________________
(١) لستعرفنهم ، وي : لتعرفنهم ، ح.
(٢) عن أنس ، انظر البغوي ، ٥ / ١٦٢ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٦٧.
(٣) «ولنبلونكم» ، «نعلم» ، «ونبلوا» : قرأ شعبة بالياء التحتية في الأفعال الثلاثة ، والباقون بالنون فيهن وقرأ رويس بإسكان واو «ونبلو» ، وغيره بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٩٨.
(٤) حقية ، ح و : حقيقة ، ي.
(٥) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٢٦٧.
(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢٦٧.
(٧) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ١٦٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢٦٧.
(٨) الحجرات (٤٩) ، ١٧. عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٧.
(٩) عن أبي العالية ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٧ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٦٣ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٦٨.