(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩))
(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) أي إلى أمره الذي أمرني بالهجرة إليه وهو الشام ، يعني من أرض حران إلى بيت المقدس لطاعة ربه (سَيَهْدِينِ) [٩٩] أي سيرشدني إلى مهاجري أو إلى ما فيه صلاح ديني.
(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١))
ثم قال (رَبِّ هَبْ لِي) ولدا (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١٠٠] أي من المرسلين ، (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [١٠١] في كبره عليم في صغره.
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢))
(فَلَمَّا بَلَغَ) الغلام (مَعَهُ السَّعْيَ) أي صلح أن يمشي مع أبيه إلى مهامه وآنس به وأحبه وهو ابن سبع سنين ، قيل : هو إسمعيل (١) ، وقيل : اسحق (٢) ، والأول أظهر لما يجيء ولفظ (مَعَهُ) للبيان ، يعني لما بلغ حد السعي ، قيل : مع من؟ فقال : مع أبيه ، ولا يتعلق بالسعي لامتناع تقدم صلة المصدر عليه ولا ب (بَلَغَ) لفساد بلوغهما معا حد السعي (٣) ، روي : أنه لما بشر بالولد قال هو إذن لله ذبيح ، فلما بلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك في نومه (٤)(قالَ) لولده (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ) أي رأيت فيه (أَنِّي أَذْبَحُكَ) قربانا لله (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) أي رأيت رأيك ، وإنما كان ذلك بالمنام دون اليقظة للدلالة على كونه صادقا في الحالتين فيكون ذلك كرؤية يوسف في المنام سجود أبويه وإخوته ودخول رسول الله عليهالسلام المسجد الحرام في المنام وما سوى ذلك من مقامات (٥) الأنبياء عليهمالسلام (٦)(قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [١٠٢] على ما أمرت به من الذبح ، وإنما شاوره في أمر من الله ليهون عليه البلاء ، ويصبره ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله ، فلما عزما على الذبح قال يا أبت أوصيك بثلاثة أشياء : أن تربط يدي كي لا أضطرب فأوذيك وأن تجعل وجهي إلى الأرض كيلا تنظر إلى وجهي وترحمني وان تذهب بقميصي إلى أمي تذكرة لها مني وتسلم عليها وتقول لها اصبري على أمر الله ، فقال : نعم العون أنت يا بني على أمر الله.
(فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣))
(فَلَمَّا أَسْلَما) أي استسلما وانقادا لأمر الله تعالى بالإخلاص منهما (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [١٠٣] أي صرعه على شقه فوضع إحدى جبينيه وهما جانبا الجبهة على الأرض ، وكان ذلك (٧) بمنى عند الصخرة تواضعا لله على مباشرة الأمر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن ويخزيا الشيطان ، وجواب «لما» محذوف ، أي لما أسلما وتله للجبين.
(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥))
(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ [١٠٤] قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) استبشرا وشكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله وما حصل لهما من الثواب ورضوان الله الذي ليس وراءه مطلوب ، وقيل : الجواب (نادَيْناهُ) بزيادة الواو (٨) ، ومعنى (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) جئت بما رأيت في نومك بأنك فعلت ما أمكنك من أمر الذبح ، روي :
__________________
(١) عن ابن عباس ومجاهد وابن عمر ومحمد بن كقب القرظي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١٩.
(٢) عن كعب وعلي بن أبي طالب وعكرمة وقتادة وأبي هريرة وعبد الله بن سلام ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١٩.
(٣) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٥ / ١١٩.
(٤) نقله عن الكشاف ، ٥ / ١٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٦٨.
(٥) مقامات ، ح ي : منامات ، و.
(٦) عليهمالسلام ، وي : ـ ح.
(٧) ذلك ، ح و : ـ ي.
(٨) أخذ المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٢٠.