العلم من لفظ يدل على المدح أو الذم لمعنى فيه والمنهي عن التقليب ما يستكرهه المدعو به لكونه ذما له وشينا ، وأما ما يحبه مما يزينه فلا بأس به ، قال عليهالسلام : «من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه إليه» (١)(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي بئس الاسم الذي سمي به الملقب اسم الفسوق بعد إيمانه كزيد اليهودي وعمرو الناصراني أو (بَعْدَ) بمعنى مع ، لأنه نهي عن الجمع بين الفسق والإيمان ، أي لا تفسقوا بعد ما آمنتم ، قيل : نزلت الآية في أبي مالك كان على المقاسم ، فقال لعبد الله السلمي يا أعرابي ، فقال له عبد الله يا يهودي ، فأمرهما رسول الله عليه وسلم أن لا يدخلا عليه حتى يظهر توبتهما (٢)(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) من السخرية واللمز والنبز (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [١١] أي العاصون بالله ورسوله فأوثق أبو مالك وعبد الله أنفسهما حتى قبلت توبتهما.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا) أي أبعدوا عنكم (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) وهو ظنكم بأهل الخير سوء ، أي تحققوه (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أي معصية يستحق عليها العقاب ، وذلك البعض كثير لأنه ظن السوء بالمؤمنين ، قيل : إن كان المؤمن موسوما بالصلاح يحتاط في ظن السوء به وإن كان فاجرا يظن به مثل الذي ظهر منه ، وأما ظن الخير والصلاح بالصلحاء والعلماء بالله فمندوب إليه (٣) ، وقيل : «الظن ظنان ، ظن إثم وهو أن يظن ويتكلم به وظن ليس بإثم وهو أن يظن ولا يتكلم به» (٤) ، فلذلك قال إن بعض الظن إثم ، أي لا جميعه (وَلا تَجَسَّسُوا) أي لا تطلبوا ولا تتبعوا عورات الناس ، قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تفتنوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فان من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ـ وفي رواية ـ ولو في جوف بيته» (٥) ، وما روي عنه عليهالسلام : «احترسوا من الناس بسوء الظن» (٦) فانه محمول على حفظ المال في حرزه أو على سوء ظنكم بأنفسكم (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي لا يذكر أحدكم أخاه بظهر الغيب مما يسوءه وهو فيه والغيبة من الاغتياب وهو ذكر السوء في الغيبة ، سئل رسول الله عليهالسلام عن الغيبة فقال : «أن تذكر أخاك بما يكره فان كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» (٧) ، أي قلت عليه ما لم يفعله (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) حال من اللحم أو من الأخ (فَكَرِهْتُمُوهُ) عطف على مقدر ، أي إن عرض عليكم فكرهتموه أو هي الفاء الفصيحة بمعنى فقد كرهتموه واستقر ذلك فيكم ، يعني فكما كرهتم أكل لحمه ميتا فكذلك اجتنوبوا ذكره بالسوء وهو غائب ، فان هذا نظير ذلك ، قيل : نزلت الآية في شأن زيد بن ثابت حين ذكر نفر فيه شيئا (٨) ، وقيل : في شأن سلمان وكان في سفر مع أبي بكر وعمر وكان يطبخ لهما فنزلوا منزلا فلم يتهيأ له أن يصلح لهما أمر الطعام لعدم الماء ، ثم بعثناه إلى النبي عليهالسلام لطلب الطعام منه ، فقال له أسامة لم يبق عند النبي شيء من الطعام ، فرجع سلمان إليهما فقالا إنه لو ذهب إلى بئر كذا ليبس ماؤها (٩) ، الميت بالتخفيف (١٠) كالميت بالتشديد مثل ضيق وضيق (وَاتَّقُوا اللهَ) في الغيبة ، يعني توبوا إليه (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) أي قابل التوب (رَحِيمٌ) [١٢] بكم بعد توبتكم.
__________________
(١) انظر الكشاف ، ٦ / ١٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٢) هذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٥.
(٣) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٤) عن سفيان الثوري ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٦٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٢٠٤.
(٥) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ٤ / ٤٢١ ، ٤٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٠٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢١.
(٦) ذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ٥٦.
(٧) روى مسلم نحوه ، البر ، ٧٠ ؛ والدارمي ، الرقاف ، ٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٠٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢١.
(٨) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٩) قد أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٠٤.
(١٠) «ميتا» : شدد الياء المدنيان ورويس ، وخففها الباقون. البدور الزاهرة ، ٣٠١.