لا دين ، فكلمهم فبال الحمار فقال عبد الله بن أبي المنافق إليك عني فقد آذاني نتن حمارك ، فقال بعض الأنصار وهو ابن رواحة والله لبول حمار النبي عليهالسلام أطيب ريحا منك ، فاقتتل قوم ابن رواحة وهم الأوس وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج بالأيدي والنعال وأغصان النخلة (١) ، فقال الله تعالى وإن طائفتان ، أي إن اقتتل طائفتان (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) حذف الفعل من «إن» الشرطية بدلالة (اقْتَتَلُوا) عليه وجمع نظرا إلى المعنى ، لأن كل طائفة جماعة وثني في قوله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) نظرا إلى اللفظ ، فكره بعضهم الصلح فنزل (٢)(فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) أي إن ظلمت إحدى الطائفتين واستطالت (عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا) الطائفة (الَّتِي تَبْغِي) أي تظلم (حَتَّى تَفِيءَ) أي ترجع (إِلى أَمْرِ اللهِ) أي إلى الصلح (فَإِنْ فاءَتْ) أي رجعت عن البغي (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) أي بالإنصاف (وَأَقْسِطُوا) أي اعدلوا في الحكم بين الفريقين ولا تميلوا (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [٩] أي العادلين ، من أقسط إذا أزال الجور ، وقسط بمعنى جار ، فهمزته للسلب ، وإنما قرن العدل بالإصلاح الثاني دون الأول لأن العدل في تضمين الجنايات والمتلفات لا في سلب الضغائن ، فالمراد بالأول إصلاح ذات البين من الاقتتال وتسكين الحقد والغضب منهما ونفي الشبهة فقط إلا إذا أصرتا فحينئذ يجب المقاتلة ولا يتجه الضمان ، والمراد بالثاني هو الإصلاح من البغي والتعدى بالضمان (٣) يتجه فيه بطريق العدل والإصلاح مختص بالمؤمنين ، يوضح ذلك قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) أي بين المتنازعين منكم ، وثني لأن النزاع لا يكون إلا بين اثنين أولا ثم يتعدى إلى الجماعة ، وقيل : المراد بال «أخوين» الأوس والخزرج (٤)(وَاتَّقُوا اللهَ) أي لا تعصوه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [١٠] فلا تعذبوا ، ودلت الآية على أن البغي لا يزيل الإيمان ، لأنهم سموا مؤمنين مع وجود البغي بالاقتتال (٥).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ) نزل حين سخر وفد تميم من فقراء المسلمين كعمار وصهيب (٦) ، أي لا تستهزئ (٧) جماعة الرجال (مِنْ قَوْمٍ) أي من جماعة مثلهم والقوم مخصوص بالرجال يوضحه قوله (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) ، وإنما نهي السخرية عن الجمع لأن السخرية تكون (٨) غالبا بين جمع ، قوله (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أي أفضل وأكرم على الله من الساخرين علة للنهي الأول ، وعطف على «قَوْمٌ» (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) أي لا تستهزئ امرأة من امرأة (عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) أي أفضل عند الله (٩) قدرا من الساخرات علة للنهي الثاني ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : «البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا» (١٠) ، وإنما لم يقل امرأة من رجل ولا بالعكس للإشعار بأن مجالسة الرجل والمرأة مستقبح شرعا ، لأن الإنسان انما يسخر ممن يلابسه غالبا (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تعيبوا إخوانكم المسلمين ، لأنهم كأنفسكم ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم ، قال عليهالسلام : «اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس» (١١) ، أي لا تعيبوا إخوانكم المسلمين لأنهم كأنفسكم (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي لا تسموا ولا تلقبوا بالألقاب القبيحة كالفاسق والكاذب والكافر ، من النبز وهو اللقب ، واللقب ما يسمى به الإنسان بعد اسمه
__________________
(١) هذا مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٣ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٢٤ ؛ والبغوي ، ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٣.
(٣) بالضمان ، وي : فالضمان ، ح.
(٤) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٨.
(٥) بالاقتتال ، ح و : بالقتال ، ي.
(٦) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٠٢.
(٧) لا تستهزئ ، ح و : لا يستهزئ ، ي.
(٨) تكون ، وي : يكون ، ح.
(٩) عند الله ، وي : ـ ح.
(١٠) انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٦٤.
(١١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ١١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٩.