عودهم إلى بلادهم خالدا ، فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير فأخبر النبي عليهالسلام بذلك (١) ، أي يا أيها المؤمنون (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) أي بخبر كذب (فَتَبَيَّنُوا)(٢) ، من التبين (٣) ، وقرئ «فتثبتوا» (٤) من التثبت وهو طلب الثبات ، أي تعرفوا صدقه من كذبه ولا تعجلوا (أَنْ تُصِيبُوا) أي مخافة أن تصيبوا (قَوْماً بِجَهالَةٍ) أي جاهلين بحالهم ، حال من ضمير «تُصِيبُوا» (فَتُصْبِحُوا) أي فتصيروا (عَلى ما فَعَلْتُمْ) من الخطأ بالقوم (نادِمِينَ) [٦] والندم ضرب من الغم وهو غم يصحب الإنسان يتمنى أن ما وقع منه لم يقع ، وإنما قال (إِنْ جاءَكُمْ) بحرف الشك دون إذا ليدل على أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا على هذه الصفة لئلا يطمع فاسق في مكالمتهم بكذب ما.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧))
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فعظموه وعظموا أمره بالموافقة (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) الذي تخبرونه أو يختارونه ، فان بعضهم اجتهدوا أن يعملوا بقول الفاسق وحرضوا النبي عليهالسلام على إرسالهم لقتال نبي المصطلق ونهبهم (٥)(لَعَنِتُّمْ) أي لأثمتم ولهلكتم ، من عنت البعير إذا انكسرت رجله ، وإنما قال (يُطِيعُكُمْ) دون أطاعكم كما اقتضاه (لَوْ) ليدل على أنه كان في إرادتهم استمرار علمه على ما يستصوبونه ، لأن المضارع قد يدل على الاستمرار ، ثم استدرك عمن هو ضعيف الإيمان وقليل الموافقة لأمر النبي عليهالسلام من الصحابة (٦) بقوله (وَلكِنَّ)(٧) وهي كلمة الاستدراك يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا ، وهي حاصلة هنا من حيث المعنى دون اللفظ ، أي ما وفق الله هؤلاء الذين أرادوا أن يخالفوا أمر النبي عليهالسلام بأن ينقادوا له ويطيعوه ولكن (اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي ثبته وحسنه فيها بالآيات الواضحة والبراهين القاطعة فقبلتم ورضيتهم وشكرتم على هذه النعمة العظيمة التي لا نعمة فوقها (وَكَرَّهَ) أي بغض (إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) أي تغطية نعم الله بالجحود (وَالْفُسُوقَ) أي الخروج عن الطاعة بالكذب وغيره (وَالْعِصْيانَ) أي ترك الانقياد لأمر الشارع (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (هُمُ الرَّاشِدُونَ) [٧] أي المستقيمون على طريق الحق (٨).
(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨))
(فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي كان ذلك التحبيب والتزيين والتكريه رحمة من الله لهم (وَنِعْمَةً) أي وكرما منه تعالى ، فنصبهما ب «كان» المحذوفة (٩) ، وقيل : مفعولا لهما بمعنى الإفضال والإنعام لفعل التحبيب والتزيين والتكريه ، وقوله (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) اعتراض بينهما (١٠)(وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل والتمايز (حَكِيمٌ) [٨] أي حاكم يحكم بالإفضال والإنعام بالتوفيق على أفاضلهم.
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠))
قوله (وَإِنْ طائِفَتانِ) نزل حين ركب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حمارا وأتى إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من أمور
__________________
(١) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٣ / ٢٦٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٩٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٥.
(٢) أي ، + ح.
(٣) التبين ، وي : التبيين ، ح.
(٤) «فتبينوا» : قرأ الأخوان وخلف بتاء مثلثة فوقية مفتوحة بعد التاء وبعدها باء موحدة مفتوحة مشددة وبعدها تاء مثناة فوقية مضمومة ، والباقون بباء موحدة مفتوحة بعد التاء وبعدها ياء مثناة تحتية مفتوحة مشددة وبعدها نون مضمومة. البدور الزاهرة ، ٣٠١.
(٥) نهبهم ، وي : ـ ح.
(٦) من الصحابة ، وي : من أصحابه ، ح.
(٧) الله ، + ح.
(٨) الحق ، وي : الجنة ، ح.
(٩) فنصبهما بكان المحذوفة ، ح ي : ـ و.
(١٠) أخذ المؤلف هذه الآراء عن الكشاف ، ٦ / ١٧.