(تَحِيدُ) [١٩] أي تميل وتهرب منه وتحسب (١) أنه لا ينزل عليك لمحبتك الحيوة الدنيا.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠))
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي وكذلك ينفخ في الصور وهو النفخة الأخيرة للبعث بعد الموت (ذلِكَ) أي وقت النفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) [٢٠] أي اليوم الذي كان الكفار يوعدون بالعذاب فيه.
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١))
(وَجاءَتْ) أي وكذلك تجيء (كُلُّ نَفْسٍ) يوم القيامة (مَعَها) ملك (سائِقٌ) يسوقها إلى المحشر (وَشَهِيدٌ) [٢١] أي وملك يشهد عليها بعملها ثم يقضي عليها إما (٢) إلى الجنة أو إلى النار أو ملك واحد جامع بين الأمرين.
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢))
(لَقَدْ كُنْتَ) أي يقال للكافر إذا رأى أهوال القيامة لقد كنت (فِي غَفْلَةٍ) أي في غطاء (مِنْ هذا) أي من هذا اليوم فلم تؤمن بربك وبرسوله (فَكَشَفْنا) أي أزلنا (عَنْكَ غِطاءَكَ) وهو الغفلة هنا فقد ظهر عندك بالمعاينة ما كنت مكذبا به في الدنيا (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [٢٢] أي حاد ناقد تدرك به الأشياء التي كنت تنكرها.
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣))
(وَقالَ قَرِينُهُ) بواو العطف على (جاءَتْ) ، أي وقال الشيطان الذي قيض له ، أي وكل به للإغواء ، يعني يقول قرينه يومئذ (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) [٢٣] أي هذا الرجل شيء حاضر لدي ، يعني في ملكي قد اعتقدته لجهنم باغوائى في الدنيا ، ف (ما) موصولة و (عَتِيدٌ) صفتها و (لَدَيَّ) معمول (عَتِيدٌ) ، والموصوف مع الصفة والمعمول في محل الرفع خبر المبتدأ وهو (هذا) أو (ما) موصولة مبتدأ و (لَدَيَّ) صلتها و (عَتِيدٌ) خبرها ، والجملة خبر (هذا) أو الموصول مع الصلة بدل من (هذا).
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦))
قوله (أَلْقِيا) خطاب من الله للملكين السائق والشهيد (٣) ، وقيل : خطاب للواحد بتكرير الأمر للتأكيد ، أي ألق ألق (٤)(فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [٢٤] أي كل جاحد بتوحيد الله مستكبر عن الإيمان.
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي يمنع الزكوة من ماله (مُعْتَدٍ) أي ظالم لغيره (مُرِيبٍ) [٢٥] أي شاك في دين الله تعالى.
(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) يعني أشرك بالله وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط ، جوابه (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) [٢٦] من النار.
(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧))
(قالَ قَرِينُهُ) بلا واو ، لأنه استئناف الكلام الواقع في حكاية التقاول بين الكافر والشيطان ، أي قال شيطانه حين ألقي الكافر في النار قال رب هو أطغاني (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) أي ما جعلته طاغيا ، إذ لا قوة لي أن أضله (وَلكِنْ كانَ) أي ولكنه طغى ووقع (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [٢٧] عن الحق والإيمان به.
(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨))
(قالَ) أي يقول الله للكافر وشيطانه (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) أي عندي ، لأن الخصام لا ينفع بين أهل النار (وَقَدْ قَدَّمْتُ) في محل النصب على الحال من (لا تَخْتَصِمُوا) ، وهذا يقضي التقديم في الدنيا والخصومة في الآخرة ،
__________________
(١) وتحسب ، وي : وتجتنب ، ح.
(٢) إما ، ح : ـ وي.
(٣) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٧١.
(٤) نقل المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ٢٧ ـ ٢٨. وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢١٥.