قريش (فَحَقَّ وَعِيدِ) [١٤] بكسر الدال (١) ، أي وجب عليهم عذابي فلا يضيق صدرك.
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥))
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي أعجزنا عن الخلق الأول ابتداء فنعجز عن إعادته ، يعني كما لم نعجز عن ابتداء خلقهم ولم يكونوا شيئا كما علموه فلا نعجز عن إحيائهم بعد إماتتهم ، لأنه أيسر في رأي العين من الابتداء ، فلما لم (٢) يؤمنوا قال تعالى (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أي في شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [١٥] له شأن عظيم بعد الموت ، يعني هم مقيمون على شكهم من البعث الذي حقه أن يهتم به كل من سمع ويخاف ويبحث عنه.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦))
قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) فيه دلالة لهم على قدرته الباهرة على كل شيء من البعث وغيره ، أي لقد خلقنا كل إنسان (وَ) الحال أنا (نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ) أي تحدث (بِهِ نَفْسُهُ) أي قلبه ويتفكر فيه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) أي إلى الإنسان في القدرة عليه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [١٦] وال (حَبْلِ) هو العرق و (الْوَرِيدِ) العرق الذي يرد من الرأس داخل العنق ، وإضافة ال (حَبْلِ) إليه إضافة البيان كبعير سانية وللإنسان وريدان يكتنفان لصفحتي (٣) العنق وسمي وريدا لورود الروح فيه.
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧))
قوله (إِذْ يَتَلَقَّى) ظرف ل (أَقْرَبُ) ، أي إذ يتلقن (٤) ويأخذ بالحفظة (٥) والكتبة (الْمُتَلَقِّيانِ) أي الملكان الموكلان بالإنسان ، قوله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) خبر المبتدأ وهو (قَعِيدٌ) [١٧] وأراد قعيدان ، أي عن يمين ابن آدم وعن شماله قعيدان ، لأنه يعم القليل والكثير أو هو من قبيل الاكتفاء بأحدهما ، يعني عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد يكتبان عمله ومنطقه ونحن أقرب إليه من كل قريب وقت كتابة ملكين ما عليه من فعل (٦) وقول.
(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))
(ما يَلْفِظُ) الإنسان (مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ) أي عنده (رَقِيبٌ) يرقب قوله ، أي حافظ يحفظه عليه (عَتِيدٌ) [١٨] أي حاضر معه وأراد رقيبين عتيدين فاكتفي بأحدهما عن الآخر ، قيل : «هما يكتبان عليه كل شيء يصدر عنه حتى أنينه في مرضه» (٧) ، وقيل : «لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر به» (٨) ، ويدل عليه قوله على السّلام : «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فاذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» (٩) ، وقيل : «إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه» (١٠).
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩))
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي غمرته وشدته (بِالْحَقِّ) أي ملتبسة (١١) بالصدق والحقيقة لك أيها الإنسان أو أحضرتك سكرة الموت حقيقة ما أخبرت به رسلنا (ذلِكَ) أي الموت (ما كُنْتَ) أي الذي كنت (مِنْهُ) في الدنيا
__________________
(١) «وعيد» : أثبت الياء وصلا ورش ، وفي الحالين يعقوب ، وحذفها الباقون مطلقا. البدور الزاهرة ، ٣٠٢.
(٢) فلما لم ، ح و : فلم ، ي.
(٣) لصفحتي ، ح : صفحتي ، ي ، صحفتي ، و.
(٤) إذ يتلقن ، وي : إذا يتلقن ، ح.
(٥) بالحفظة ، ي : بالحفظ ، ح و.
(٦) وترك ، + ح.
(٧) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦.
(٨) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦.
(٩) انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٦. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(١٠) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦ ـ ٢٧.
(١١) ملتبسة ، ح : ـ وي.