(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦))
(وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي أبقينا السفينة بباقردى من بلد الجزيرة أو على الجودي دهرا طويلا حتى أبصرها أوائل هذه الأمة (آيَةً) أي عبرة للخلق ، قيل : لم يكن قبل ذلك سفينة فبرؤيتها اتخذوا سفينة في البحار (١)(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [١٥] أي معتبر بصنع الله بقوم نوح فيؤمن ويطيع (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [١٦] أي إنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧))
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي سهلناه للحفظ والقراءة والاعتبار (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [١٧] أي متعظ يتعظ به فيؤمن ، روي : أن كتب الأولين كالتورية والإنجيل لم يتيسر لأهلها حفظها من أولها إلى آخرها (٢).
(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨))
(كَذَّبَتْ عادٌ) رسولهم هودا (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [١٨] وهي جمع نذير بمعنى الإنذار ، أي كيف وقع عذابي وإنذاري لهم ، يعني أليس وجدوه حقا.
(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١))
ثم بين عذابه بهم فقال (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي باردة شديدة الهبوب (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) أي شؤم (مُسْتَمِرٍّ) [١٩] أي دائم شؤمه لا يفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقلعهم من الأرض وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أي أصول (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [٢٠] أي منقلع من الأرض ساقط عليها ، وشبهوا بالنخل لطولهم ، قيل : «كان طول واحد منهم اثني عشر ذراعا» (٣) ، وقيل : «سبعين ذراعا» (٤)(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [٢١] أي إنذاري ، يعني أليس وجدوه حقا.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢))
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي للحفظ والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [٢٢] أي متعط به.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤))
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) [٢٣] أي صالحا حين أتاهم لدعوتهم إلى الإيمان (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً) أي خلقا مثلنا (نَتَّبِعُهُ) في أمره وليس بملك طلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر (إِنَّا إِذاً) أي إن اتبعناه (لَفِي ضَلالٍ) أي في خطأ من الهداية (وَسُعُرٍ) [٢٤] أي في جنون أو بعد من الحق.
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦))
ثم قالوا استهزاء (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) أي أأنزل الوحي (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) ونحن أحق به منه (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) في قوله (أَشِرٌ) [٢٥] أي متكبر على الخلق حمله تعظمه على ادعاء ذلك فقال تعالى (سَيَعْلَمُونَ) بالتاء على حكاية جواب صالح لهم والياء (٥)(غَداً) أي يوم القيامة (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [٢٦] أي هم أم صالح.
(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧))
ثم سئلوا منه بأن يخرج لهم ناقة من الحجر فدعا ربه فأوحي إليه (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) أي مخرجوها من الحجر
__________________
(١) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩٩.
(٢) روي أن كتب الأولين ... إلى آخرها ، ح : ـ وي. نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٥٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٦٣.
(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٠٠.
(٤) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٠٠.
(٥) «سيعلمون» : قرأ الشامي وحمزة بتاء الخطاب ، وغيرهما بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٣٠٩.