وفائدة تكرير قوله «فَذُوقُوا» ، «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ» أن يجددوا عند استماعه الاتعاظ والاستيقاظ لئلا يغلبهم السهو والنسيان ولا يستولي عليهم الغفلة عن تلك العبرات الملينة للقلوب المنبهة لها في كل أوان.
(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) [٤١] أي موسى وهرون أو هما أو غيرهما من الأنبياء لعرضهما عليهم ما أنذر به الرسل.
(كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢))
(كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي الآيات التسع (كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب عند التكذيب (أَخْذَ عَزِيزٍ) أي منتقم (مُقْتَدِرٍ) [٤٢] أي قادر على تعذيبهم لا يعجزه شيء.
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣))
(أَكُفَّارُكُمْ) يا قريش (خَيْرٌ) أي أشد وأعظم (مِنْ أُولئِكُمْ) أي من الذين ذكرناهم إياكم من قوم نوح إلى فرعون ومع شدتهم وعظمتهم أهلكناهم فكيف أنتم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ) أي ألكم براءة نجاة (فِي الزُّبُرِ) [٤٣] أي في الكتب المتقدمة أن لا تعذبوا فآمنتم بتلك البراءة والمراد به الإنكار.
(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥))
(أَمْ يَقُولُونَ) بالياء ، أي أيقولون جهلا منهم وعنادا (نَحْنُ جَمِيعٌ) أي جمع (مُنْتَصِرٌ) [٤٤] أي ممتنع يجمعنا من محمد وأصحابه أو من العذاب ، والاستفهام تقرير لقولهم ، لأن أبا جهل قال يوم بدر إنا جمع منتصر فركب على فرسه وتقدم في الصف ، فقال تعالى قبل ذلك بمكة (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع المشركين في الحرب (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [٤٥](١) أي ينصرفون عن الحرب خلفهم منهزمين وينصر رسوله فهزموا يوم بدر ، فوافق الخبر الواقع فصار هذا من علامات النبوة لمحمد عليهالسلام.
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦))
(بَلِ السَّاعَةُ) أي هم هزموا ببدر بل الساعة ، أي القيامة (مَوْعِدُهُمْ) بأشد العذاب (وَالسَّاعَةُ) أي وعذابها (أَدْهى) أي أعظم بلية ، والداهية المنكر الذي لا يهتدى أن يدفع (وَأَمَرُّ) [٤٦] أي أوجع من عذاب الدنيا.
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨))
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (فِي ضَلالٍ) أي في هلاك (وَسُعُرٍ) [٤٧] أي في نار مسعرة في الآخرة ، قوله (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) ظرف ل (سُعُرٍ) ، أي هم في سعر يوم يجرون (فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ويقال لهم (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [٤٨] أي عذابها ، و (سَقَرَ) اسم لجهنم منعت من الصرف للعجمة والعلمية والتأنيث.
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩))
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [٤٩] حال من (كُلَّ) ، أي خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على شكل يوافقه كما يقتضيه الحكمة أو مقدرا موافقا بما كتب في اللوح قد علمنا حاله وزمانه قبل خلقه فنصب (كُلَّ) بفعل مقدر يفسره ما بعده.
(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠))
(وَما أَمْرُنا) بشيء أردنا إيجاده (إِلَّا) كلمة (واحِدَةٌ) وهي (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) سريعا (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [٥٠] أي كنظر البصر ورجعه ، بل هو أقرب منه فسرعة أمرنا بمجيء الساعة ليست إلا كطرف العين.
__________________
(١) الأدبار كما قال كلوا في بعض بطنكم يعني ، + ح.
(٢) البقرة (٢) ، ١١٧ ؛ آل عمران (٣) ، ٤٧ ، ٥٩ ؛ الأنعام (٦) ، ٧٣ ؛ النحل (١٦) ، ٤٠ ؛ مريم (١٩) ، ٣٥ ؛ يس (٣٦) ، ٨٢ ؛ غافر (٤٠) ، ٦٨.