(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠))
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) أي عن عمله القبيح (إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) [٣٩] لأنهم يعرفون بعلامة فيهم وهي سواد الوجوه وزرقة العيون كما يعرف الصالح بغرته وتحجيله ، يعني ببياض وجهه وبياض أرجله ، قيل : يسأل للتوبيخ لا ليعلم من جهته (١) ، وقيل : «يسأل في بعض المواطن دون بعض» (٢)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٠] أي فانه ينجيكم من شدة السؤال والحساب يومئذ فكيف تنكرونه.
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢))
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي بسواد وجوههم وزرقة عيونهم (فَيُؤْخَذُ) المجرم (بِالنَّواصِي) جمع الناصية وهي قصاص الشعر (وَالْأَقْدامِ) [٤١] أي يؤخذ تارة بالنواصي وتارة بالأقدام فيسحبون على وجوههم إلى النار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٢] أي إنه يدفع عنكم العذاب الشديد إن آمنتم به ، فكيف تنكرونه ويقال لهم إذا دنوا من النار :
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) [٤٣] في الدنيا ، أي أنتم ، ثم أخبر عن حالهم في جهنم بقوله (يَطُوفُونَ بَيْنَها) في محل النصب على الحال من المجرمين ، أي يسعون بين الجحيم (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [٤٤] أي ماء حار شديد الحرارة فيعذبون بهما ، قيل : عند الجوع يؤتى بهم إلى الزقوم النابت في جهنم الذي طلعه كرؤوس الشياطين فيأخذ حلقهم إذا أكلوا ، وعند العطش يؤتى بهم إلى الحميم فيشربون منه فيغلي أجوافهم (٣) ، وفيه دليل على أن الحميم خارج من جهنم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٥] أي إنه ينجيكم من هذه الغصة بالإيمان به والإنذار منه قبل الابتلاء بها لطفا عظيما ، فكيف تنكرونه.
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧))
ثم أخبر تعالى عن حال من آمن به واتقاه في الدنيا وأطاع أمره ولم يعصه بقوله (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي لمن علم البعث فخاف قيامه لدى ربه للحساب فترك المعصية وأطاعه أو ال (مَقامَ) مقحم كما يقال أخاف جانب فلان (جَنَّتانِ) [٤٦] جنة عدن وجنة النعيم أو جنة لفعل الطاعة وجنة لترك المعصية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٧] أي إنه يدخلكم الجنة كما وعد فكيف تنكرونه ولا تطيعونه.
(ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩))
قوله (ذَواتا أَفْنانٍ) [٤٨] خبر مبتدأ محذوف ، أي هما ذواتا أغصان ، جمع فنن وهو الغصن أو ذواتا ألوان من كل شيء جمع فن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٩] أي إنه قدر لكم هذه النعمة الوافرة والراحة ، فكيف تنكرونه.
(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣))
(فِيهِما) أي في الجنتين (عَيْنانِ تَجْرِيانِ) [٥٠] في الأسافل والأعالي بالماء الزلال التسنيم والسلسبيل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥١] فِيهِما) أي في الجنتين (مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) في الدنيا أو من كل لون (٤) من الفاكهة (زَوْجانِ) [٥٢] أي صنفان ، الحلو والخامض أو المعروف والغريب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٥٣].
__________________
(١) هذا القول مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٣٠٩.
(٢) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٧٨.
(٣) أخذه المصنف عن السمرقندي مختصرا ، ٣ / ٣٠٩.
(٤) من نوع ، ي : ـ ح و.