(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨))
قوله (مُتَّكِئِينَ) نصب على المدح لهم أو حال من الخائفين مقام ربهم ، أي ناعمين (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو الديباج الأخضر الغليظ وظهائرها من سندس وهو الديباج الرقيق (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) أي ثمرهما (١)(دانٍ) [٥٤] أي قريب التناول للقائم والقاعد والنائم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٥] فِيهِنَّ) أي في أعالي الجنتين وأسافلهما من الزوجات (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي نساء من الإنس والجن والحور غاضات البصر عن النظر إلى غير أزواجهن (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) بضم الميم وكسرها (٢) ، من الطمث وهو الوطئ بتدمية ، والمراد هنا المس والجماع ، أي لم يمسسهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) [٥٦] فيه دليل على أن الجني يجامع ، وإنما قال لم يطمثهن إن أريد بهن نساء الدنيا ، لأنه لم يجامعهن مذ نشأت في هذه الخلقة وإن أريد بهن الحور فلأنهن خلقن في الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٦] كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ) في الصفاء (وَالْمَرْجانُ) [٥٨] في البياض ، قيل : «إن الحوراء تلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البضاء» (٣).
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢))
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٩] هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) [٦٠] أي ما جزاء من أحسن في الدنيا (٤) بالتوحيد (٥) ، وهو قول لا إله إلا الله والعمل بما جاء به رسوله إلا أن يحسن إليه في الآخرة بالثواب وهو الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦١] وَمِنْ دُونِهِما) أي ومما قرب من الجنتين المنعوتتين في الفضيلة (جَنَّتانِ) [٦٢] أخريان الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين أو ما في الأوليين من ذهب وما في الأخريين من فضة ، والظاهر أن الأربع لمن خاف مقام ربه فيعطى كل منهم على قدره منهن.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧))
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١))
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٣] مُدْهامَّتانِ) [٦٤] أي خضراوتان يضرب خضرتهما إلى السواد لشدتها ، اسم فاعل من ادهام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٥] فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) [٦٦] أي فوارتان بالماء لا ينقطعان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٧] فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [٦٨] خصص ذكرها بالعطف وإن كانا من الفاكهة لفضلهما ، وقال أبو حنيفة رحمهالله ليسا من الفاكهة ، فلو حلف رجل أن لا يأكل فاكهة فأكل تمرا أو رمانا لم يحنث ، وكذا الحكم عنده في العنب خلافا لصاحبيه وغيرهما (٦)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٩] فِيهِنَّ خَيْراتٌ
__________________
(١) أي ثمرهما ، وي : أي ثمرها ، ح.
(٢) «لم يطمثهن» معا : وللكسائي ثلاثة مذاهب : المذهب الأول ضم اللفظ الأول وكسر الثاني من رواية الدوري وكسر الأول وضم الثاني من رواية أبي الحارث ... أو ضم الأول وكسر الثاني فيكون موافقا له فيهما وهذا هو المذهب الثاني ... والمذهب الثالث التخيير لكل من الراويين في ضم أحدهما بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني وإذا كسر الأول ضم الثاني ... ويؤخذ من مجموع المذاهب الثلاثة أنه لا يجوز للدوري ولا لأبي الحارث ضمهما معا ولا كسرهما معا بل لا بد من التخالف بينهما في الضم والكسر ، فاذا ضم الأول تعين كسر الثاني وبالعكس. قال علماء القراءات وإذا أردت قراءتهما للكسائي وجمعهما في التلاوة فاقرأ الأول بالضم ثم الكسر والثاني بالكسر ثم الضم وقرأ الباقون بالكسر فيهما قولا واحدا. البدور الزاهرة ، ٣١١.
(٣) عن عمرو بن ميمون ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٣.
(٤) في الدنيا ، وي : ـ ح.
(٥) بالتوحيد ، وي : في التوحيد ، ح.
(٦) هذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٦٨.