من الرجال والنساء (وَأَقْرَضُوا) عطف على اسم الفاعل ، لأنه بمعنى الفعل ، واللام فيه بمعنى الذين ، أي أعطوا (اللهَ قَرْضاً حَسَناً) يعني تصدقوا بطيبة نفس وصحة نية على المستحقين ، قوله (يُضاعَفُ لَهُمْ) خبر (إِنَّ) ، أي يزاد لهم القرض (١) ، أي ثوابه لكل واحدة عشرة إلى سبعمائة وإلى ما لا يحصى (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [١٨] أي ثواب حسن وهو الجنة.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي المؤمنون (بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي بجميعهم (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) أي المبالغون في الصدق ، يعني هم بمنزلة الصديقين عند الله بتضعيفه أجورهم حتى يساوي أجور (٢) الصديقين وهم أفاضل صحابة النبي عليهالسلام أي (٣) الذين تقدموا في تصديقهم كأبي بكر رضي الله ، وصدقوا في أقوالهم وأفعالهم ، وهو ترغيب للمؤمنين في الطاعة ليصلوا (٤) إلى أقرب عباد الله إليه ، قوله (وَالشُّهَداءُ) عطف على قوله (الصِّدِّيقُونَ) ، أي هم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) بمنزلة الشهداء أيضا ، والجملة بعده لبيان أنهم بمنزلتهم ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، خبره (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أي الذين استشهدوا في سبيل الله أو الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة عند ربهم لهم أجرهم ، أي ثوابهم (وَنُورُهُمْ) الذي في أيمانهم وشمائلهم على الصراط (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي الكافرون بالله والجاحدون بالقرآن (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [١٩] أي ملازموها.
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) أي عمل باطل (وَلَهْوٌ) أي فرح يلهي عن الله (وَزِينَةٌ) فاسدة فانية (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) في الحسب والنسب (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) فازهدوا فيها ، يعني لا تميلوا إليها ، فان مثلها (كَمَثَلِ غَيْثٍ) أي مطر نزل من السماء فنبت به الزرع والنبات (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) أي الجحاد بأنعم الله أو الزراع (نَباتُهُ) أي ما نبت بالمطر ، فالضمير لل «غَيْثٍ» (ثُمَّ يَهِيجُ) أي ييبس ويتغير (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) أي بعد حضرته (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) أي فتاتا هالكا ، فشبه حال الدنيا بذلك النبات في سرعة زوالها مع قلة نفعها لأصحابها (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لمن افتخر بالدنيا وزينتها (٥) واختارها كالكفار (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) لمن ترك الدنيا وزينتها ، واختار الآخرة عليها كالمؤمنين العارفين بأحوالهما (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) وهي ما شغل العبد عن الآخرة (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [٢٠] أي كمتاع الذي يغتر به بنو آدم وهو ما يتخذ من الزجاج والخزف ، فانه يسرع إلى الفناء ولا يبقي.
(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١))
ثم حرض الناس إلى التوبة قبل الموت بقوله (سابِقُوا) أي أسرعوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي إلى أسبابها وهي التوبة والطاعة (وَ) إلى (جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي كعرض سبع سموات وسبع أرضين أو ألصق بعضها ببعض (٦) ولم يذكر طولهما ، لأن عرض كل شيء أقل من طوله أو العرض السعة (أُعِدَّتْ) أي هيئت (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي للمؤمنين (بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ) أي الثواب الذي ذكر (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده وهو من أخلص في دينه (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [٢١] أي ذو المن الجزيل لمن أطاعه.
__________________
(١) القرض ، وي : القرآن ، ح.
(٢) أجور ، ح : أجر ، وي.
(٣) أي ، ي : ـ ح و.
(٤) ليصلوا ، وي : ـ ح.
(٥) وزينتها ، وي : ـ ح.
(٦) ببعض ، و : لبعض ، ح ي.