(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢))
ثم أرشدهم إلى الإيمان بالقدر بقوله (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) كقحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار وغلاء السعر (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) كمرض ووجع وفقد ولد وخوف عدو وجوع (إِلَّا فِي كِتابٍ) حال ، أي إلا مكتوبة في اللوح (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أي أن نخلق النفس أو السماء والأرض ، قال النبي عليهالسلام : «الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن» (١)(إِنَّ ذلِكَ) التقدير في اللوح (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [٢٢] أي هين غير عاجز عنه.
(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣))
قوله (لِكَيْلا تَأْسَوْا) تعليل لكونها مكتوبة عليكم قبل خلقكم ، أي لئلا تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) تسخطا لقضائه تعالى ، بل تسليما له وصبرا عليه (وَلا تَفْرَحُوا) فرح تكبر ، بل فرح شكر واعترف (بِما آتاكُمْ) بالمد ، أي بما أعطاكم من حطام الدنيا ، وبالقصر (٢) ، يعني بما جاءكم منه ، فانه إلى نفاد وفناء ، قيل : المؤمن من جعل الفرح شكرا والمعصية صبرا (٣)(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) أي متكبر بطر (فَخُورٍ) [٢٣] بزينة الدنيا.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤))
(الَّذِينَ) أي هم الذين ، ويجوز أن يكون بدلا من «مُخْتالٍ فَخُورٍ» (يَبْخَلُونَ) أي يمسكون أموالهم عن المسمتحقين (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وقرئ بالفتحتين (٤) ، وهو أشد البخل (وَمَنْ يَتَوَلَّ) أي من يعرض عما يجب عليه ولم يخرجه من ماله (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ) بذاته عن إيمانهم ونفقتهم (الْحَمِيدُ) [٢٤] في أفعاله ، قرئ باثبات (هُوَ) وحذفه (٥).
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥))
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) أي الملائكة إلى الأنبياء (بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي الوحي لتعليم الأمم دينهم (وَالْمِيزانَ) أي العدل أو الميزان بعينه وهو الذي أنزل على عهد نوح عليهالسلام (لِيَقُومَ النَّاسُ) أي ليتعاملوا بينهم (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (٦)(وَأَنْزَلْنا) أي أخرجنا من المعادن (الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أي قوة شديدة في الحرب ، وقيل : إن آدم عليهالسلام نزل من الجنة مع الإبرة والمطرقة والسندان والكلبتين من الحديد (٧)(وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فيما يحتاجون إليه في معائشهم كالسكين والفأس وغيرهما (وَلِيَعْلَمَ) أي وليظهر (اللهُ) في الوجود (مَنْ يَنْصُرُهُ) ينصر (وَرُسُلَهُ) باستعمال آلات الحرب كالسيف والرمح والسهم في مجاهدة أعداء الدين (بِالْغَيْبِ) أي في حال غيبتهم عنه تعالى أو حال عن الله ، أي غائبا عنهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ) على أعدائه لا يحتاج إلى النصرة (عَزِيزٌ) [٢٥] أي منتقم منهم بنفسه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أي بعثنا (نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) إلى قومهما (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) للموعظة والهداية لمن آمن به منهم وكان فيهم يوسف وموسى وهرون وداود وسليمان وصالح (فَمِنْهُمْ) أي من ذريتهما
__________________
(١) ذكره السيوطي في الفتح الكبير ، ١ / ٥١٠. ولم أعثر عليه في كبت الأحاديث الصحيحة التي رجعتها.
(٢) «آتاكم» : قصر الهمزة أبو عمرو ، ومدها غيره. البدور الزاهرة ، ٣١٥.
(٣) ولم أجد لهذه القراءة مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٤) «بالبخل» : قرأ الأخوان وخلف بفتح الباء الموحدة والخاء ، والباقون بضم الباء وإسكان الخاء. البدور الزاهرة ، ٣١٥.
(٥) «فان الله هو الغني» : قرأ المدنيان وابن عامر بحذف لفظ «هو» ، والباقون باثباته. البدور الزاهرة ، ٣١٥.
(٦) بالعدل ، ح ي : العدل ، و.
(٧) نقله عن الكشاف ، ٦ / ٨٦.