الدنيا (اللهُ أَعْلَمُ) هو أعلم منكم (بِإِيمانِهِنَّ) وسرائرهن ، لأنكم لا تعلمون حقيقة ذلك ليطمئن معه قلوبكم (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ) أي ظننتموهن (مُؤْمِناتٍ) بالحلف وظهور الأمانات (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ) أي لا تردوهن (إِلَى الْكُفَّارِ)(١) بعد ما غلب ظنكم على إسلامهن وإن كانوا أزواجهن (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) أي لا حل بين المؤمنة والمشرك أولا وآخرا ، يعني بالهجرة والنكاح بعدها (وَآتُوهُمْ) أي أعطوا أزواجهن (ما أَنْفَقُوا) عليهن من المهر (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها المؤمنون في (أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) أي المهاجرات وإن كان لهن أزواج كفار (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي أجور بضعهن ، لأن المهر أجر البضع ، فيه دليل على تقديم أدائه في إباحة تزوجهن ، قيل : يدفع المهر إلى زوجها فان لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيء (٢) ، وقيل : نسخ دفع المهر إلى زوجها (٣) ، قيل : استدل أبو حنيفة رحمهالله به على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة وبقي الآخر حربيا وقعت الفرقة بينهما ، ولا يرى العدة على المهاجرة ويبيح نكاحها إلا أن تكون حاملا (٤) ، وقال الشافعي لا يقع الفرقة إلا بالإسلام (٥)(وَلا تُمْسِكُوا) بالتخفيف والتشديد (٦) ، أي لا تأخذوا (بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) جمع عصمة وهي ما يعتصم به ، أي يعتمد عليه من عقد وسبب ، يعني إذا ارتدت (٧) ـ العياذ بالله ـ امرأة (٨) من أزواجكم ولحقت بدار الحرب فقد زالت العصمة وانقطعت الزوجية بينها وبين زوجها المؤمن باختلاف الدارين ، فجاز له أن يتزوج أختها ورابعا سواها ، وأصل العصمة الحبل ، المعنى : لا ترغبوا فيهن ولا في نسائكم اللاتي أقمن في مكة كافرات بعد هجرتكم من مكة إلى المدينة ، لأن عصمتهن قد قطعت منكم (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) من المهر على زوجاتكم ، إذا لحقن بالمشركين مرتدات ممن تزوجهن (٩)(وَلْيَسْئَلُوا) أي المشركون (ما أَنْفَقُوا) من المهر على زوجاتكم المهاجرات ممن تزوجهن من المؤمنين (ذلِكُمْ) أي الحكم (١٠) المذكور (حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالكم (حَكِيمٌ) [١٠] في أمره لكم ، قيل : شرط رد النساء إلى الكفار في عقد الصلح في الحديبية ثم نسخ ببراءة من الله (١١) ، وقيل : لم يشرط في نفس العقد صريحا لكن اشتمل العقد عليهن مع الرجال (١٢) ، فبين الله تعالى خروجهن من عموم العقد بالآية المذكورة.
(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١))
(وَإِنْ فاتَكُمْ) أي إن سبقكم وانفلت منكم (شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي أحد منهن حقير غير معوض منه يأخذ مثل مهرها مرتدة (إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ) أي قاتلتم الكفار وغلبتم عليهم بعقوبة واغتنمتم الأموال منهم (فَآتُوا) المؤمنين (الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ) منكم إلى الكفار مرتدات (مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) عليهن من الغنائم ليكون كالعوض لمهر زوجته الفانية إلى الكفار ، روي : أن ست نسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين فأعطى
__________________
(١) أي ، + ح.
(٢) وهذا القول منقول عن القرطبي ، ١٨ / ٦٥.
(٣) عن عطاء ومجاهد وقتادة ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٦٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٠٦ (عن قتادة) ؛ وانظر أيضا قتادة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ٤٨ ـ ٤٩ ؛ هبة الله بن سلامة ، ٩١ ؛ ابن الجوزي ، ٥٦.
(٤) نقل المؤلف هذا القول عن الكشاف ، ٦ / ١٠٦.
(٥) وفي هذا الموضوع أقوال كثيرة ، انظر القرطبي ، ١٨ / ٦٦ ـ ٦٨.
(٦) «ولا تمسكوا» : قرأ البصريان بفتح الميم وتشديد السين ، وغيرهما باسكان الميم وتخفيف السين. البدور الزاهرة ، ٣١٩.
(٧) إمرأة ، + ح.
(٨) إمرأة ، وي : ـ ح.
(٩) تزوجهن ، ح و : يتزوجهن ، ي ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٦٥.
(١٠) الحكم ، وي : حكم ، ح.
(١١) أخذ المؤلف هذا القول عن البغوي ، ٥ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٥٤.
(١٢) وفي هذا الموضوع آراء كثيرة ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧.