قوله (وَالطَّيْرَ) نصب عطف على (الْجِبالَ) ، وقوله (مَحْشُورَةً) نصب على الحال ، أي مجموعة (كُلٌّ لَهُ) أي كل واحد من الجبال والطير لأجل داود وتسبيحه (أَوَّابٌ) [١٩] أي رجاع بصوته ، يعني كان داود إذا سبح سبحت الجبال وجمعت له الطير مسبحات معه لله تعالى.
(وَشَدَدْنا) أي قوينا (مُلْكَهُ) بالعدل أو بالحفظ عليه والحراسة يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل أو بهيبة وضعت له في قلوب الناس ، روي : أن غلاما ادعى على رجل بقرة عنده فلطم الغلام لطمة وعجز الغلام عن إقامة البينة فأوحى الله إليه أن اقتل المدعى عليه فأخبر بذلك بني إسرائيل فجزعوا وقالوا أتقتل رجلا للغلام؟ فقال : هذا أمر الله تعالى بذلك فأخبر المدعى عليه ، فقال الرجل : صدقت يا نبي الله قتلت أباه اغتيالا فقتله فعظمت هيبته في قلوب الناس ، وقالوا : لا نعمل شيئا إلا علمه (١)(وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي النبوة أو التكلم بالحق (وَفَصْلَ الْخِطابِ) [٢٠] أي البيان الشافي في كل قصد أو القضاء بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، لأنه يقطع الخصام بين الناس أو قول الشخص بعد حمد الله ، أما بعد ثم ذكره ما يريد لأنه يفصل بين كلامين.
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣))
قوله (وَهَلْ أَتاكَ) ظاهر (٢) الاستفهام للدلالة على أن هذا الخبر العجيب مما يشتهر ويفشى لكل أحد ويشوق إلى استماعه والمراد تحقيقه ، ولذلك قيل (هَلْ) بمعنى «قد» (نَبَأُ الْخَصْمِ) أي خبر الخصوم (٣) ، مفرد يعم القليل والكثير والذكر والأنثى ، والمراد هنا الملكان اللذان وقع التحاكم بينهما ومن يصحبهما من الملائكة.
وقد روي : أنهما جبرائيل وميكائيل جاءا داود عليهالسلام بعد ما دخل بامرأة أوريا لينبهاه على زلته بتلك المرأة ، وذلك (٤) أنه قيل يوما عنده هل يأتي على الإنسان يوم لا يذنب فيه ، فأضمر في نفسه أنه يطيق ذلك فابتلي بتلك المرأة ، وذلك أنه دخل في محرابه متعبدا وأغلق عليه بابه فجاءه الشيطان في صورة طير من ذهب ووقع بين رجليه فأراد أن يأخذه فذهب إلى كوة هناك فأراد أخذه فذهب فنظر من الكوة ، فاذا بامرأة جميلة تغتسل فعجب منها فالتفتت فابصرت ظله فنقضت شعرها فغطى جميع بدنها فازداد عجبا ، فسأل عنها فقيل هي امرأة أوريا فأحب أن يموت زوجها ليتزوج بها وكان زوجها مع ابن أخت دواد في جيش ، فأرسل إليه أن قدمه قدام التابوت وكان من تقدم قدامه لا يحل له الرجوع حتى يفتح عليه ويقتل ، فقدمه فقتل فتزوجها داود بعد انقضاء عدتها وهي أم سليمان عليهالسلام (٥) ، وبعضهم أنكر هذا النقل لتنزه الأنبياء عن مثل هذا العمل (٦).
(إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) [٢١] أي صعد جبرائيل وميكائيل بمن معهما حائط المحراب بعد أن منعوا الدخول من الباب ، و (إِذْ) ظرف ل (نَبَأُ الْخَصْمِ) على تقدير نبأ تحاكم الخصم ، لأنه لا يجوز أن يتعلق ب (أَتاكَ) ، لأن اتيان
__________________
(١) اختصره المصنف من السمرقندي ، ٣ / ١٣١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١٣٦.
(٢) ظاهر ، ح : ظاهره ، وي.
(٣) والخصم ، + و.
(٤) بتلك المرأة وذلك ، ح ي : روي ، و.
(٥) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ١٣٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤. وهذه القصة مذكورة في التورية ، انظر ، ٢. سمؤل) LEUMAS.II (، ١١ / ٢ ـ ٢٧. وقال فخر الدين الرازي : «والذي أدين به وأذهب إليه أن ذلك باطل ... أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجورا لاستنكف منها والرجل الخبيث الذي يقرر تلك القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه وربما لعن من ينسبه إليها ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصوم إليه ..». انظر مفاتيح الغيب ، ٢٦ / ١٦٥. وقال أبو إسحاق اطفيش ـ وهو محقق «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ـ : «ما أورده القرطبي هنا في حق داود عليه الصلوة والسّلام من قبيل الإسرائيليات ولا صحة لها ..». انظر الجامع لأحكام القرآن ، ١٥ / ١٦٦ (في ملاحظة هامشية أولى). وقال ابن كثير في تفسيره : «قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات». انظر تفسير القرآن العظيم ، ٧ / ٥١.
(٦) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ١٣٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٩٦.