(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))
(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الماضية رسلهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [١٨] أي إنكاري وعقوبتي لهم.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩))
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) أي ألم ينظروا إلى الطيور (فَوْقَهُمْ) كيف خلقها (صافَّاتٍ) أي باسطات أجنحتهن في الهواء ، قوله (وَيَقْبِضْنَ) أي يضممن جناحهن ، عطف على (صافَّاتٍ) لكونه في تقدير يصففن ويقبضن في الهواء بعد البسط كالسابح في البحر ، فيعتبروا في خلق الله القادر بالقدرة الباهرة ، وإنما لم يقل وقابضات لرعاية التناسب ، لأن الأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها ، وأما القبض فطارئ على البسط للاستطهار به (١) على التحرك فيكون القبض تارة بعد تارة (ما يُمْسِكُهُنَّ) أي ما يأخذهن عن الوقوع عند القبض والبسط في الهواء (إِلَّا الرَّحْمنُ) بقدرته وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [١٩] أي عالم به كيف يخلق وكيف يدبر.
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))
(أم من (هذَا الَّذِي) يقال (هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أي منعة (يَنْصُرُكُمْ) من عذاب الله إن عصيتموه بتقدير الشرط ، والهمزة للإنكار والميم صلة و «من» للاستفهام ، أي لا أحد ممن يشار إليه ينصركم (مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) أي من غير الله ذي الرحمة العامة ، يعني من المشار إليه بالنصر ينصركم غير الله (إِنِ الْكافِرُونَ) أي ما الجاحدون بالله العابدون بغيره من الأصنام (إِلَّا فِي غُرُورٍ) [٢٠] أي في خداع من الشيطان.
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي) يقال هو (يَرْزُقُكُمْ) أي من المشار إليه بالرزق يرزقكم سواه (إِنْ أَمْسَكَ) أي إن (٢) حبس الله (رِزْقَهُ) من السماء والأرض ، فلما لم يتعظوا ولم يقروا أضرب عنهم فقال (بَلْ لَجُّوا) أي تمادوا (فِي عُتُوٍّ) أي تكبر وعناد (وَنُفُورٍ) [٢١] أي في شرود من الإيمان لثقله عليهم.
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢))
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا) أي (٣) واقعا (عَلى وَجْهِهِ) من العمى والظلمة في قلبه ، والمراد الكافر ، من أكب مطاوع كب على الشذوذ بمعنى انكب إذا عثر على وجهه (أَهْدى) أي أرشد وأصوب في دينه (أم من (يَمْشِي سَوِيًّا) أي قائما معتدلا بنور قلبه ، يعني حاله نقيض حال من يمشي سالما من العثور (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٢٢] أي على دين الإسلام ، والمراد المؤمن ، يعني الكافر السالك في طريق النار خير أم المؤمن السالك في طريق الجنة.
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣))
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أي خلقكم (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) لتسمعوا به الحق (وَالْأَبْصارَ) لتبصروا بها الحق (وَالْأَفْئِدَةَ) أي القلوب لتعرفوا بها الحق وتشكروا الله على إنعامه لكم أسباب الهداية والمعرفة (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [٢٣] أي شكركم فيما صنع لكم قليل ، أي منفي لأنكم استعملتم هذه الأسباب في طاعة غيره ولم توحدوه.
(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))
(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي خلقكم وكثركم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [٢٤] للحساب بعد الموت وللجزاء.
__________________
(١) البسط للاستظهار به ، ح و : الاستظهار به ، ي.
(٢) إن ، ح و : ـ ي.
(٣) أي ، وي : ـ ح.