وَزَرَ) [١١] أي قال تعالى لا ملجأ يومئذ يتحصن به من العذاب (إِلى رَبِّكَ) لا إلى غيره (يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [١٢] أي مستقر الخلائق يحاسبون ويجازون فيه ، يعني أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره ، لأن أمور العباد ترجع إلي لا حكم لأحد فيه كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)(١).
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤))
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) أي يخبر كل (٢) إنسان (يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) من خير وشر عمله في الدنيا (وَ) بما (أَخَّرَ) [١٣](٣) من حسنة وسيئة سنهما (٤) وعمل بهما بعده (٥) وإن لم ينبأ حقيقة يعلمه أيضا لقوله تعالى (٦)(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [١٤] أي شاهد على نفسه بما عمل ، يعني جوارحه تشهد عليه بما فعل وما قال فيحاسب به ، والتاء في ال (بَصِيرَةٌ) للمبالغة كعلامة.
(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥))
قوله (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [١٥] شرط ، جوابه محذوف ، أي لو تكلم بكل معذرة ليتخلص ما قبلت منه وهي اسم جمع لها ، وقيل : «ال (مَعاذِيرَهُ) الستور» (٧) ، أي لو أرخى عليه الستور وأغلق الباب لم ينفعه ذلك.
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦))
قوله (لا تُحَرِّكْ بِهِ) أي بالقرآن (لِسانَكَ) نهي للنبي عليهالسلام عن (٨) قراءة الوحي حين يقرأه جبرائيل عليهالسلام وأمر بالإنصات له ، أي لا تحركه (٩)(لِتَعْجَلَ بِهِ) [١٦] أي بالقرآن حذرا أن يفوتك شيء منه ، بل أعجل بالعمل بما فيه لخوف القيامة بعد أن يقضي عليك وحيه ، نزل حين كان يعجل به للحفظ عند نزوله لئلا ينسي (١٠) ، يعني لا تقرأه حتى يفرغ جبرائيل من قراءته عليك.
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩))
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك لتحفظه (١١)(وَقُرْآنَهُ) [١٧] أي وقراءته عليك ، يعني وجريانه على لسانك (فَإِذا قَرَأْناهُ) أي إذا قرأ جبرائيل عليك (فَاتَّبِعْ)(١٢) أي استمع (قُرْآنَهُ) [١٨] أي (١٣) قراءته ، وقيل : «اتبع حلاله وحرامه» (١٤) ، يعني ميز بينهما بأخذ حلاله وترك حرامه (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [١٩] أي بأن نبينه لك حتى تفهمه فكان جبرائيل عليهالسلام إذا أتاه بالوحي أطرق فاذا ذهب عنه قرأه كما وعده تعالى ، قوله (كَلَّا) ردع للنبي عليهالسلام عن عادة العجلة وحث على التأني والتؤدة وقد بالغ فيه باتباعه.
(كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١))
قوله (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) [٢٠] كأنه قال يا بني آدم أنتم لا تتركون العجلة بل لأنكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء يهمكم ، فلذلك تحبون العاجلة وعملها (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) [٢١] بالتاء والياء في الفعلين (١٥) ، أي تتركون العمل لها ، وفيه توبيخ لهم بحب عمل الدنيا وترك الاهتمام بالآخرة.
__________________
(١) المؤمن (٤٠) ، ١٦.
(٢) كل ، وي : لكل ، ح.
(٣) في الدنيا (و) بما (أخر) ، ح و : في الدنيا بما قدم (وأخر) ، ي.
(٤) سنهما ، وي : سنها ، ح.
(٥) بعده ، وي : ـ ح.
(٦) تعالى ، ح : ـ وي.
(٧) عن الضحاك ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٨٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٢٦ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٩١.
(٨) عن ، وي : ـ ح.
(٩) تحركه ، و : تحرك ، ح ي.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٩١.
(١١) لتحفظه ، ح و : لتحفظ ، ي.
(١٢) قرآنه ، + ح.
(١٣) (قرآنه) أي ، وي : ـ ح.
(١٤) عن محمد بن كعب ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٢٧.
(١٥) «تحبون» ، «وتذرون» : قرأ المكي والبصريان والشامي بياء الغيبة فيهما ، والباقون بتاء الخطاب كذلك. البدور الزاهرة ، ٣٣٢.